عبدالله توفيق كنعان – أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس – أن نهج الاحتلال الاسرائيلي ومخططاته الصهيونية تقوم على محاربة الهوية العربية والدينية الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس، ضمن مخطط عام هو التهويد والاسرلة والعبرنة، وهذا المسار بدأ بشكل واضح واستكمالاً لخطوات سابقة عند احتلال كامل مدينة القدس عام 1967م، ولأن المسجد يمثل مؤسسة دينية وثقافية واجتماعية مهمة في عقيدة المجتمع المقدسي، فقد كانت المساجد في بؤرة الحرب والتدمير الاسرائيلي المتواصلة حتى اليوم، ومن المؤشرات الخطيرة على ذلك.
الدعوات التحريضية المتطرفة من منظمات استيطانية إسرائيلية، والتي تدعو إلى تفجير المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخر والترويج لها بفيديوهات اعلامية عبر تطبيق الذكاء الاصطناعي، وبالتزامن مع ما يسمى عيد الفصح العبري ( العبور)، ووسط تكثيف الاقتحامات والاعتداء على المصلين ومنع وصولهم للمسجد الاقصى المبارك، ودعوة المستوطنين للاقتحام وادخال القرابين المزعومة داخل باحات المسجد الاقصى المبارك.
ومطالعة مختصرة لتاريخ الاعتداءات الاسرائيلية على مساجد مدينة القدس يظهر أنه في عام 1967م اقدمت اسرائيل على هدم عدد من المساجد في مدينة القدس منها مسجد البراق ومسجد المطحنة ومسجد حارة اليهود وجامع المدرسة العثمانية، وفي نفس العام وامعاناً في التضييق على الحرية الدينية والتدخل في الاماكن المقدسة ، شرعت سلطة الاحتلال الاسرائيلية باصدار الامر العسكري الاول رقم (66) تحت مسمى قانون المحافظة على الاماكن المقدسة للاديان السماوية وحقيقة هذا القانون منح وزير الاديان صلاحية الاعتداء على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، ولاحقاً في عام 1969م صدر الامر العسكري رقم (327) والذي اطلق عليه اسم ” أمر بشأن صيانة حرمة الاماكن المقدسة”، وهو بقصد زيادة التدخل في اجراءات الصيانة والترميم داخل الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية ، وفي عام 1982م صدر أمر رقم (1038) يتضمن تعديل على هذه الاوامر السابقة وذلك باضافة عبارة ” تحديد قواعد وتعليمات تتعلق بالسلوكيات والانشطة في الاماكن المجاورة لاماكن العبادة والتي يتم بالقرب منها الاحتفال باعياد اليهود”، وهذا تطور واضح في سياسة التدرج نحو مخططات التدخل والتهويد والاعتداء على الاماكن المقدسة.
وفي عام 1988م تم الاعتداء على مسجد ابو ديس بتحطيم النوافذ ومصادرة الاجهزة ، كذلك الاعتداء في العام نفسه على مسجد شعفاط وتحطيم نوافذه وتخريب ممتلكاته ومصادرة الاجهزة، وفي عام 1989م تم الاعتداء على مسجد القميري الواقع داخل اسوار البلدة القديمة وسرقة الاجهزة والسماعات، وعام 1992م كانت محاولة الاحتلال الاستيلاء على مسجد النبي صموئيل الواقع شمال غرب القدس وسعى المستوطنون الى تحويله لمركز يهودي ولكن دائرة الاوقاف استطاعت افشال مخططهم، وفي عام 1998م فشلت محاولة تفجير مسجد قرية بير نبالا بوضع قنبلة قبالة باب المسجد، وخلال العام نفسه كانت عمليات الاعتداء على مسجد النبي صموئيل وتحويل جزء منه الى كنيس يهودي، واحراق السجاد والفرش في مسجد بيت صفافا ، وعام 1999م الاعتداء الاسرائيلي على المسجد العمري في حارة الشرف حيث قام المستوطنون بكسر بوابة المئذنة، وفي عام 2013م تم اقتحام مسجد النبي داوود ومسجد المرابطين ومصادرة الاجهزة ومكبرات الصوت منها، وعام 2020م جرت محاولة فاشلة لهدم مسجد القعقاع بحجة عدم وجود تراخيص، وفي عام 2024م جرى هدم مسجد الشياح في جبل المكبر، ومسجد الاسراء في وادي ياصول أيضاً، علماً بان هذه الاحياء في بلدة سلوان تتعرض لمخطط التهجير والاخلاء لاحلال المستوطنين مكانهم، وبالطبع فان المقدسات المسيحية تتعرض هي الاخرى لنفس الخطر والاعتداء.
واليوم بعد اكثر من 560 يوماً على العدوان الاسرائيلي الهمجي على غزة والضفة الغربية، فان الدمار الهائل والبربري الذي تعرضت له مدينة غزة والمخيمات والمدن في الضفة الغربية، عرض الكثير من المساجد للدمار والضرر، فاكثر من 966 مسجداً في غزة تم تدميره وتسويته بالارض، وحرم الاهالي حتى من استخدامها للجوء وسط القصف الاسرائيلي الهمجي عليهم ، وفي سياق الاعتداء على المساجد ايضاً جرى اغلاق الحرم الابراهيمي ومصادرة مفاتيحه لغايات استخدامه من قبل المستوطنين فقط، وفي السياق نفسه يجري اليوم الترويج لدعوات تلمودية باطلة مزيفة واستفزازية بتكثيف اقتحام المسجد الاقصى المبارك وتفجيره سعياً لاقامة الهيكل المزعوم .
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وفي اطار الدعوات الخطيرة والتصعيد المتطرف من جماعات الهيكل بتفجير المسجد الاقصى المبارك بما فيه قبة الصخرة المشرفة، تؤكد ان استفزاز مشاعر المسلمين والاعتداء على حرمة الاماكن المقدسة والتتعدي على الحق الاسلامي بالملكية الخالصة للمسجد الاقصى المبارك والتي تؤكدها الحقائق التاريخية وقرارات الشرعية الدولية، جميعها ستقود المنطقة لحرب دينية تشعلها الاعتداءات الاسرائيلية ومواصلة دعم حكومة اليمين المتطرفة ومشاركتها للمستوطنين في الاعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وفلسطين.
وتبين اللجنة الملكية لشؤون القدس ان السياسة الاحتلالية الاسرائيلية القائمة على معارضة الشرعية الدولية والتطاول على حرمة الاديان واماكن العبادة، من شأنه زعزعة المنطقة كلها والاتجاه بها نحو حرب دينية لا يمكن التنبؤ بنتائجها، وسيبقى الاردن شعبا وقيادة صاحبة الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس السند الداعم لاهلنا ومقدساتنا في القدس وفلسطين مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.