صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
فيما قررت وزارة التربية والتعليم تأنيث المدارس التي كادرها التعليمي من الذكور والتي تنتهي بالصف السادس فما دون، قال خبراء ومتخصصون تربويون إن قرار وزارة التربية والتعليم بتأنيث الكوادر التعليمية في مدارس الذكور حتى الصف السادس الأساسي، سيواجه العديد من التحديات منها تحديات مجتمعية بالإضافة إلى بيئة المدرسة للطلاب الذكور.
وأشاروا إلى أن القرار جاء استنادًا إلى دراسات علمية ومعطيات دقيقة، أظهرت تحسنًا ملموسًا في مخرجات التعليم واتجاهات الطلبة، بنسبة وصلت إلى 73.5% في الصفوف الأولى.
وبيّنوا خلال حديثهم لـ”صدى الشعب” إلى أن هذا القرار يمثل خطوة مدروسة تهدف إلى تحسين جودة التعليم في المرحلة التأسيسية، من خلال توفير بيئة تعليمية آمنة وداعمة نفسيًا، مؤكدين أن المعلمات يتمتعن بكفاءة عالية في التعامل مع الطلبة في هذه المراحل العمرية، ما يسهم في بناء شخصيات الطلاب وتنمية قدراتهم الفكرية والسلوكية.
وكان وزير التربية والتعليم، عزمي محافظة، الأحد، أوعز بتأنيث المدارس التي كادرها التعليمي من الذكور والتي تنتهي بالصف السادس فما دون.
وفي كتاب وجهه الوزير إلى مدير التربية والتعليم، بنقل الكوادر الفائضة من المعلمين الذكور إلى المراكز التعليمية والإدارية وإدراجها على بطاقة التشكيلات المدرسية للعام 2025 – 2026.
النوايسة: تميز الاناث في تأسيس الطلبة من أسباب القرار
وفي هذا الاطار، قال الخبير التربوي عايش النوايسة إن قرار وزارة التربية والتعليم بتأنيث الكادر التعليمي في المدارس حتى الصف السادس، جاء استنادًا إلى معطيات ودراسات معمقة، نفذتها الوزارة على مدار سنوات، مشيرًا إلى أن القائمين على صناعة القرار في الوزارة هم الأكثر دراية بتفاصيل الواقع التربوي والتعليمي.
وأضاف النوايسة أن ثمة مجموعة من الأسباب المهمة التي دفعت لاتخاذ هذا القرار، أبرزها الفروقات في الأداء بين المعلمين والمعلمات، ونتائج الطلبة في المدارس، والتي كانت تميل دائمًا لصالح مدارس الإناث، سواء من حيث نتائج الاختبارات الوطنية، أو المدرسية، أو حتى الدولية.
وأوضح أن هنالك مؤشرات عدة، من بينها نسب الغياب ونتائج المتابعة، كانت تشير إلى تفوق مدارس الإناث، ما دعّم التوجه نحو تجربة تأنيث الكادر التعليمي.
ولفت إلى أن جهات رقابية مختصة، مثل وحدة المساءلة ووحدة الرقابة وجودة التعليم، أظهرت في تقاريرها تراجعًا في أداء مدارس الذكور، مقابل تقدم ملحوظ في مدارس الإناث، الأمر الذي ساعد على بلورة هذا القرار.
وأشار إلى أن فكرة تأنيث الإدارة التربوية في مدارس الذكور ليست جديدة، بل بدأ طرحها منذ أكثر من عشر سنوات، حيث كانت المبادرة الأولى تتعلق بتولي قيادات مدرسية نسائية إدارة مدارس الذكور، إلا أن هذه الفكرة لم تُعتمد حينها، وبعد مشاورات ودراسات وتغذية راجعة، جرى العدول عنها.
وأكد أن جزءًا من خلفيات القرار يعود إلى مقارنة دقيقة بين مدارس الذكور ومدارس الإناث، مشيرًا إلى أن طبيعة الإناث، من حيث الانضباط والهدوء والالتزام، تختلف عن طبيعة الذكور، الذين يميلون إلى النشاط الزائد وقلة الانضباط، وهو ما ظهر جليًا في نتائج الدراسات المتعددة، التي أبرزت تفوق مدارس الإناث.
واعتبر أن القرار لم يأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية بين الذكور والإناث من حيث الطباع والسلوك، وهو ما قد يؤثر مستقبلاً في آلية التعامل التربوي مع الطلبة، مؤكداً أن القرار في مجمله جاء نتيجة لتراجع نتائج مدارس الذكور في الاختبارات.
وعن تأثير هذا التوجه على البيئة التعليمية، قال إنه قبل التجربة، لا يمكن إصدار أحكام مسبقة دون اختبار فعلي للواقع، فالتجربة وحدها ستُظهر نتائج القرار، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، إذ يعتمد الأمر على بيئة التعلم النفسية والاجتماعية للطلبة، ومدى تقبلهم وكذلك المجتمع وأولياء الأمور لهذه الخطوة، ما قد يسهم في إنجاحها.
وبيّن أن الدراسات التعليمية والتربوية المختلفة أظهرت فروقًا واضحة في الأداء بين المعلمين والمعلمات، بغض النظر عن المرحلة العمرية، مضيفًا أن هذه الفروقات تعود إلى طبيعة الفئات العمرية وطبيعة الجنس، وليس إلى العنصر البشري ذاته.
وحول تداعيات القرار على المعلمين الذكور، أشار إلى أن القرار سيكون له أثار على نسبة المعلمين بالنسبة للمعلمات ولصالح المعلمات ، لا سيما أن بعضهم يمتلك خبرات طويلة، مضيفًا أن الوزارة قد تتجه نحو تدوير الكوادر، مشيرًا إلى أن المعلمين لن يُحوّلوا إلى وظائف إدارية، لذلك بسبب النقص في التخصصات التعليمية في مدارس الذكور، باستثناء معلمي الصفوف الثلاثة الأولى، والذين قد يُعاد توظيف بعضهم إداريًا أو فنيًا حسب الحاجة.
وأكد أن الهدف الرئيس من القرار هو تحسين جودة التعليم في المرحلة الابتدائية، خصوصًا أنها مرحلة تأسيس مهمة في حياة الطلبة، مشيرا الى ان مدارس الإناث أثبتت تميزًا كبيرًا في الصفوف الثلاثة الأولى، وهو ما دفع الوزارة إلى توسيع التجربة لتشمل الصف السادس”.
وشدد على وجود تحديات كبيرة قد تواجه تنفيذ القرار، وعلى رأسها مدى تقبل المجتمع الأردني له، وقدرة المعلمات على الاندماج في البيئة التعليمية، واستجابة الطلبة الذكور أنفسهم للمعلمات.
وأشار إلى أن المعلمات مدربات على التعامل مع الصفوف الثلاثة الأولى، إلا أن تعليم الذكور من الصف الرابع حتى السادس قد يطرح بعض التحديات.
واستدرك بالقول إن هذه التجربة ليست غريبة عن النظام التعليمي في الأردن، ففي المدارس الخاصة، تطبق منذ سنوات، حيث تقوم المعلمات بتدريس الذكور حتى الصف العاشر أو الأول الثانوي في بعض الأحيان، ولم تسجل اعتراضات تُذكر من أولياء الأمور أو المجتمع، ما يؤكد أن الأمر يعتمد على طبيعة النظام وإدارته.
ولفت إلى أن الفروقات بين القطاعين العام والخاص في الأنظمة وطرق التعامل قد تؤثر على تجربة التأنيث، مشيرًا إلى أن نجاح التجربة في المدارس الخاصة لا يعني بالضرورة نجاحها في المدارس الحكومية، لكنه عامل مشجع لخوض هذه التجربة بشفافية ورؤية واضحة.
تايه: يجب التدرج في تطبيق القرار
من جانبه أكد المستشار والخبير التربوي فيصل تايه أن قرار وزارة التربية والتعليم بتأنيث الكوادر التعليمية في مدارس الذكور حتى الصف السادس الأساسي، يستند إلى دراسات حديثة ومعمقة، أظهرت أن هذا التوجه يحقق نتائج إيجابية ملموسة في التحصيل الدراسي لدى الطلبة.
وقال تايه خلال حديثه لـ”صدى الشعب” إن القرار جاء لتحسين التحصيل الدراسي بناءً على مؤشرات علمية، حيث أظهرت الدراسات أن تأنيث التعليم في الصفوف الأولى أدى إلى تحسّن في اتجاهات الطلبة بنسبة وصلت إلى 73.5%، وهو ما يؤكد فاعلية هذا التوجه في دعم العملية التعليمية.
وأضاف أن المرحلة الأساسية الأولى لا تكتمل بانتهاء الصف الثالث فحسب، بل تمتد إلى ما بعده، وأن اكتمال البناء السيكولوجي والتربوي والتعليمي للطفل يتطلب استمرارية في المنهج والأسلوب والبيئة التعليمية.
وأوضح أن انتقال الطالب من مرحلة الصفوف الثلاثة الأولى إلى ما بعدها لا يكون انتقالًا منفصلًا، بل هو امتداد طبيعي لمسيرته الفكرية والسلوكية.
وأشار إلى أن المعلمة التي رافقت الطالب منذ مرحلة رياض الأطفال، وزرعت فيه اللبنة الأولى للتعلم، تُعد بمثابة الأم الثانية، ودورها لا يقتصر على التعليم، بل يشمل الرعاية والدعم النفسي والتربوي، لافتًا إلى أن هذا الدور المحوري ينسجم مع رؤية وزارة التربية والتعليم في توفير بيئة تعليمية آمنة ومتكاملة للطلبة.
وبيّن أن المرأة الأردنية المعلمة تمثل نموذجًا مشرفًا في العمل التربوي، فهي التي أشرفت على تربية ورعاية نصف المجتمع، وأسهمت في بناء أجيال على أسس متينة من القيم والمعرفة.
وشدد على أن وجود المعلمات في الصفوف الأولى، وخاصة قبل الصف السادس، يعزز الشعور بالأمان والانتماء لدى الطلبة، ويوفر لهم بيئة تعليمية أكثر دعمًا واستقرارًا نفسيًا.
وأوضح أن حنان الأمومة الذي تتميز به المعلمة يسهم في توسيع مساحة الأمان، ويزرع في نفوس الطلبة حب التعلم والمكان.
وأضاف أن إسناد التعليم للمعلمات في المدارس المؤنثة يحقق أهدافًا تربوية عميقة، حيث إن المعلمة تُعد حجر الزاوية في البناء الفكري والمعنوي والمعرفي للطفل في هذه المرحلة العمرية، وهي الموجهة الأولى للسلوك والميسّرة للعملية التعليمية.
وأوضح أن المعلمات يتمتعن بإحساس إنساني عالٍ يجعلهن أكثر قدرة على فهم الأطفال والتعامل معهم برفق وصبر، وتوظيف إمكاناتهن لخدمة احتياجاتهم التعليمية والنفسية، وهو ما يتماشى مع طبيعة المرأة ويمنحها تفوقًا في التعامل مع المراحل التأسيسية.
وأكد أن المعلمات أثبتن مؤخرًا تميزًا ملحوظًا في مهارات التعليم للمرحلة الأساسية الدنيا، وذلك لما يتحلين به من دقة ملاحظة وصبر ورعاية، ما مكّنهن من تحسين مخرجات التعليم في هذه الصفوف.
وتابع أن هذا الرأي لا يقلل من كفاءة المعلمين الذكور، فهناك معلمون متميزون بلا شك، لكن الفطرة التربوية لدى المرأة، حتى إن لم تكن معلمة أكاديمية، تجعلها قادرة على تنمية القيم وغرس المبادئ في نفوس الطلبة منذ الصغر”.
وأشار إلى أن الطالب في هذه المرحلة العمرية لا يفقد سوى أمه عند دخوله المدرسة، وعندما يجد أمامه معلمة تُشبهها في الحنان والاحتواء، فإن شعوره بالفقدان يتراجع، ما يفتح له المجال للاستقرار والنجاح في التعليم، خاصة في المناهج التي تحتاج إلى تأسيس دقيق منذ الطفولة.
وشدد على أن المرحلة التأسيسية تمثل الركيزة الأساسية في بناء عقل الطفل وشخصيته، والمعلمات يمتلكن من الكفاءة والدقة والقدرة على التفوق، ما يؤهلهن لإنهاض عقول جديدة وصقلها بالإبداع والتميز.
وأكد على أن الطلاب في الصفوف الأولية يحتاجون إلى رعاية واهتمام خاص، تمهيدًا لوصولهم إلى المعلمين في المراحل المتقدمة، الذين يستكملون البناء، لكن على أسس قوية زرعتها المعلمات في المراحل الأولى، معتبرًا أن القرار يشكل نقلة نوعية نحو تحسين جودة التعليم، وتوفير بيئة تعليمية فعالة وآمنة لأطفال الأردن.
وأكد على أن وزارة التربية والتعليم لم تتخذ قرار تأنيث الكوادر التعليمية لمدارس الذكور حتى الصف السادس إلا بعد دراسة شاملة لكافة الجوانب المتعلقة به، مشيرًا إلى أن القرار جاء ضمن رؤية مدروسة تهدف إلى تطوير البيئة التعليمية وتحسين مخرجاتها.
وأوضح أن الوزارة ستستفيد من المعلمين الذكور من خلال إعادة توظيفهم في وظائف إدارية مساندة داخل المدارس والمديريات، وذلك لضمان استمرارية الاستفادة من خبراتهم.
وبيّن أن كتاب الوزير الموجه إلى مديري التربية والتعليم تضمن الإيعاز بنقل الكوادر العاملة في المراكز التعليمية والإدارية، بهدف تعويض النقص الحاصل في المدارس، على أن يتم إدراج هذه الكوادر ضمن بطاقة التشكيلات المدرسية للعام الدراسي 2025 – 2026.
وأشار إلى أنه كان من الأفضل اعتماد أسلوب التدرج في تنفيذ القرار، من خلال الانتقال التدريجي بدءًا من الصف الثالث الأساسي، بحيث يتم رفع الطلبة عامًا بعد عام، صفًا تلو الآخر، حتى الوصول إلى الصف السادس، ما كان سيجعل القرار أكثر تقبلاً لدى كافة مكونات المجتمع المدرسي.
وأكد أن قرار تأنيث الكوادر التعليمية في الصفوف الأولى لا يُعد انتقاصًا من حق المعلمين الذكور أو تقليلًا من قدراتهم في تدريس هذه الفئة العمرية، مشيرًا إلى أن العديد من المعلمين، وفق تخصصاتهم، يبدعون داخل مملكتهم الصفية، ويقدمون أداءً متميزًا في العملية التعليمية.
وأشار إلى أنه رغم كفاءة الكثير من المعلمين، إلا أن الفترة الأخيرة أظهرت تراجعًا واضحًا في مستوى العديد من الطلبة عند انتقالهم من مدارسهم المؤنثة إلى الصف الرابع، أي بعد انتقالهم من مرحلة الصفوف الثلاثة الأولى إلى مدارس الذكور، وكأنهم دخلوا مرحلة تختلف في أطوارها السيكولوجية والتعلمية، وفي قدرتهم على التعايش مع بيئة صفية جديدة.
وأوضح أن الطلبة، منذ مرحلة الروضة، اعتادوا على وجود “معلمة الصف”، التي تميزت بقدرتها على استيعابهم واحتوائهم، وهو ما أوجد فجوة عند انتقالهم إلى بيئة مختلفة يقودها الذكور.
وبيّن أن الموهبة التي حباها الله للأنثى، والتي ميزها بها عن الرجل، جعلتها أكثر قدرة على أداء دور الأم والمعلمة معًا، فهي الأقدر على تربية الطفل وتوجيه سلوكه، والتأثير في شخصيته خاصة في مراحله العمرية الأولى، وهي مرحلة حرجة لا يستطيع أي أحد أداء هذا الدور بسهولة كما تقوم به المعلمة.
وأضاف أن العمل مع الصفوف التأسيسية الأولى يعتمد إلى حد كبير على ما تمنحه المعلمة من عطف وحنان وصبر، وهي صفات متوافرة في المرأة بطبيعتها، ولهذا يُفضل تأنيث التعليم في تلك المرحلة، لما تتمتع به المرأة من حب فطري للأطفال وإدراك دقيق لاحتياجاتهم النفسية والتعليمية.