صدى الشعب – ليندا المواجدة
تتزايد في السنوات الأخيرة حدة الفيضانات في الأردن، ليس فقط من حيث قوة الهطول المطري، بل في حجم الأضرار التي تطال المدن والسكان والبنية التحتية.
وبينما تنشغل الحكومات والمجالس البلدية بسبل احتواء الأزمات وتخفيف آثارها، يظل السؤال الجوهري: لماذا تتكرر الفيضانات رغم كل خطط الاستعداد؟
*الدكتورة المهندسة دانية العيساوي في حديثها لصدى الشعب* تقول إن الإجابة تتجاوز فكرة “ضعف شبكات التصريف” لتشمل التخطيط الحضري، إدارة الموارد المائية، التوسع العمراني، والضغوط المناخية العالمية.
الفيضانات لم تعد حدثًا استثنائيًا
تشير البيانات المناخية الإقليمية إلى أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة من التطرف المناخي: موجات مطر قصيرة لكنها شديدة، تفاوت كبير بين سنوات الجفاف والهطول القوي، ازدياد الجريان السطحي نتيجة الجفاف الطويل، وارتفاع درجات الحرارة العالمية، ما يزيد قدرة الغلاف الجوي على حمل كمية أكبر من بخار الماء وبالتالي هطولات أعنف.
المشكلة الحقيقية ليست في التصريف وحده
حتى الشبكات المصممة هندسيًا لاحتواء معدلات عالية من الأمطار تفشل عند ارتفاع نسب الأسفلت والباطون وتقليل المساحات الخضراء.
العوامل الرئيسية التي تضعف قدرة المدن على امتصاص مياه الأمطار:
1. التوسع العمراني على حساب الأراضي الطبيعية.
2. البناء فوق مجاري السيول ومسارات الأودية القديمة.
3. غياب نظام وطني لإدارة مياه الأمطار.
4. انسداد التصريف بسبب ضعف الصيانة الدورية.
دور الجيولوجيا والطبوغرافيا
الطبوغرافيا شديدة الانحدار في عمّان والسلط تفرض جريانًا سطحيًا قويًا عبر أودية قديمة، لكن التوسع العمراني أغلق بعض الأودية ورُدمت أخرى، ما أدى إلى “ضغط مائي هيدرولوجي” لا يمكن لأي شبكة تصريف تقليدية التعامل معه.
الاعتبارات الاقتصادية
تصميم شبكات ضخمة لاستيعاب عواصف قصوى يكلف مليارات الدنانير وقد لا يكون عمليًا، فحتى الدول الغنية تتعرض لفيضانات مفاجئة. النهج الحديث يعتمد على المرونة، أي بناء أنظمة متدرجة ومتنوعة، لا نظام واحد عملاق.
الحلول الوطنية المقترحة
1. إعادة الاعتبار للتصريف الطبيعي للأودية ومسارات المياه.
2. اعتماد بنية تحتية خضراء تشمل حدائق المطر، الأسطح الخضراء، الأرصفة النفاذة، أحواض تجميع مؤقتة، ومساحات خضراء تخزن المياه.
3. إنشاء نظام وطني لحصاد مياه الأمطار داخل المدن لاستخدامها في ري الحدائق، تنظيف الشوارع، دعم المياه الجوفية، وتقليل الضغط على مياه الشرب.
4. تحديث القوانين العمرانية والهندسية لتشمل نظم جمع مياه السطح ونسب المساحات الخضراء مقابل الإسفلت.
5. خطة صيانة مركزية قبل موسم الشتاء تشمل البلديات والقطاع الخاص والمجتمع المحلي، مع استخدام أنظمة GIS لتحديد النقاط الساخنة.
6. بناء قاعدة بيانات جيولوجية وهيدرولوجية وطنية بالتعاون مع الجامعات والباحثين.
الفيضانات فرصة وليست خطرًا فقط
الدول التي حولت الأمطار إلى مورد نجحت في خفض تكلفة المياه، رفع الغطاء الأخضر، تحسين جودة المدن، وتقليل الانبعاثات. الأردن قادر على أن يكون نموذجًا عربيًا في “إدارة مياه الأمطار الذكية”، إذا تبنى النهج الصحيح.
ختامًا، تقول العيساوي إن الفيضانات في الأردن ليست مشكلة هندسية بسيطة ولا نتيجة مقصر واحد، بل نتاج تداخل عوامل مناخية وطبوغرافية وعمرانية وجيولوجية واقتصادية، والتعامل معها يتطلب فهمًا علميًا، تخطيطًا حضريًا مسؤولًا، بنية تحتية مرنة، إصلاحًا إداريًا وقانونيًا، وتعاونًا وطنيًا بين الحكومة والبلديات والجامعات والمجتمع.
