صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
يعد سوء استخدام المضادات الحيوية من أخطر الممارسات التي تهدد الصحة العامة في العالم اليوم، فمع تزايد الاعتماد عليها في معالجة مختلف الأمراض، تتزايد المخاطر المرتبطة باستخدامها بشكل عشوائي أو غير مدروس.
وهذه الممارسات لا تقتصر على تقوية البكتيريا وجعلها أكثر مقاومة للأدوية فحسب، بل تتسبب في اختلال توازن البكتيريا النافعة في الجسم، مما يؤثر سلبًا على الجهاز المناعي ويؤدي إلى العديد من المشاكل الصحية مثل الاضطرابات الهضمية والأمراض المزمنة.
وكانت المؤسسة العامة للغذاء والدواء اعتمدت حزمة من التدابير المحدّثة للتأكيد على ترشيد صرف المضادات الحيوية وبما يضمن الحفاظ على فعاليتها والحد من مقاومة البكتيريا لها.
وصنفت منظمة الصحة العالمية، مقاومة المضادات الحيوية كأحد أخطر التهديدات الصحية العالمية، مشيرةً إلى أن الاستخدام المفرط وغير المبرر للمضادات الحيوية يسهم بشكل كبير في تفشي هذه الظاهرة.
وأظهرت دراسة نشرتها مجلة “ذا لانسيت” أن مقاومة المضادات الحيوية قد تتسبب في وفاة أكثر من 39 مليون شخص بحلول عام 2050، مما يبرز الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فعّالة للحد من هذه المشكلة الصحية.
في هذا السياق، حذّرت رئيسة مؤسسة التوعية بالأخطاء الدوائية، لينا الحمداني، من خطورة سوء استخدام المضادات الحيوية، مؤكدة أن الأثر السلبي لهذه الممارسات بات واضحاً على الصحة العامة، حيث تسهم في تقوية البكتيريا وجعلها أكثر مقاومة للعلاجات المتاحة، ما يفقد المضادات الحيوية فعاليتها تدريجياً.
وأوضحت الحمداني خلال حديثها لـ”صدى الشعب” أن من أبرز الآثار الجانبية الناتجة عن الاستخدام العشوائي وغير المبرر للمضادات الحيوية هو تطور البكتيريا بشكل أسرع وأكثر قدرة على مقاومة الأدوية، الأمر الذي يُعدّ خطراً حقيقياً على الصحة العامة.
وأضافت أن الضرر لا يقتصر على البكتيريا فحسب، بل يمتد إلى جهاز المناعة لدى الإنسان، لاسيما البكتيريا النافعة الموجودة طبيعياً في الجسم والتي تلعب دوراً محورياً في الحماية من الأمراض.
وأوضحت أنه عند تناول المضادات الحيوية بطريقة غير مدروسة وفي أوقات لا تستدعي استخدامها، فإن ذلك قد يؤدي إلى تدمير كميات كبيرة من البكتيريا النافعة التي يحتاجها الجسم بشكل كبير، والتي تُقدّر أعدادها بالمليارات.
وأشارت إلى أن مجرد جرعة واحدة من المضاد الحيوي قد تكون كفيلة بالقضاء على عدد كبير من هذه البكتيريا، مما يؤدي إلى اختلال واضح في التوازن البكتيري داخل الجسم.
وأشارت إلى أن هذا الخلل يتسبب بظهور العديد من المشاكل الصحية، وعلى رأسها الاضطرابات الهضمية، إضافة إلى أعراض أخرى ناجمة عن ضعف توازن البكتيريا النافعة، مؤكدة أن تكرار هذه السلوكيات غير المدروسة يُسهم في تزايد هذه الحالات بشكل ملحوظ.
وحذّرت من التأثيرات المباشرة لسوء اختيار نوع المضاد الحيوي، خاصة في حال وجود حالات مرضية مزمنة مثل أمراض الكبد أو السكري أو الضغط.
وأكدت أن هناك أنواعًا محددة من المضادات الحيوية لا يجب إعطاؤها للأشخاص الذين يعانون من أمراض في الكبد، إلا أن بعض المرضى قد يلجؤون إلى استخدامها بشكل عشوائي، مما يتسبب في تدهور حالتهم الصحية، وقد يصل الأمر إلى فقدان الكبد لوظائفه، أو حتى إلى الوفاة، وذلك نتيجة لاختيارهم دواءً لا يتناسب مع حالتهم الطبية ويتعارض معها.
تدريب الكوادر الطبية ضرورة
ولفتت إلى أن الأمر لا يقتصر على مرضى الكبد، بل يمتد إلى مرضى السكري والضغط، حيث أن استخدام مضادات حيوية غير مناسبة قد يؤدي إلى تقليل فعالية الأدوية التي يتناولها هؤلاء المرضى، وبالتالي عدم قدرتهم على السيطرة على مستوى السكر أو الضغط، دون أن يدركوا أن السبب في ذلك هو المضاد الحيوي الذي تعارض مع أدويتهم أو حالتهم الصحية.
وحول أسباب سوء استخدام المضادات الحيوية، أوضحت الحمداني أنها تتوزع ما بين مسؤولية تقع على عاتق المجتمع وأخرى على بعض مقدمي الرعاية الصحية.
وقالت إن بعض الأطباء أو الصيادلة قد يفتقرون إلى التدريب أو المعرفة الكافية التي تمكنهم من التمييز بين الحالات التي تستدعي استخدام المضادات الحيوية وتلك التي لا تحتاج إليها، مضيفة أن هناك ممارسات علمية موثوقة ودلائل سريرية يجب الالتزام بها وتحديثها باستمرار.
وشددت على ضرورة متابعة مقدمي الرعاية الصحية للتحديثات المتعلقة بالممارسات الدوائية، مشيرة إلى أن عدم متابعة هذه التحديثات قد يؤدي إلى استمرار الأخطاء في صرف الأدوية.
وأكدت أن مؤسسة الأخطاء الدوائية تعمل حالياً على تدريب الأطباء والصيادلة لمواكبة آخر الممارسات والتوجيهات العلمية بشأن وصف المضادات الحيوية، وتحديد الأعراض التي تستدعي استخدامها.
وأكدت أن برامج التدريب هذه كشفت، بعد تطبيقها، أن عدداً من الصيادلة كانوا يصرفون كميات كبيرة من المضادات الحيوية دون الحاجة الفعلية لها.
وأوضحت أن هناك دراسات علمية عالمية تؤكد بشكل واضح أن كميات المضادات الحيوية التي يتم صرفها تفوق بكثير الحاجة الفعلية للمريض، وهو ما يجعل من التدريب والتوعية ضرورة ملحة، بهدف تقنين استخدامها والحد من المخاطر الصحية المرتبطة بسوء استعمالها.
وشددت، على أهمية التعامل المتوازن مع هذه الأدوية، مشيرة إلى أن رفض استخدامها تمامًا قد يكون ضارًا تمامًا كما هو الحال عند استخدامها دون داعٍ طبي.
وأكدت الحمداني أن المضادات الحيوية ضرورية في حالات معينة، خصوصًا عند وجود التهابات بكتيرية تستوجب تدخلاً دوائيًا حاسمًا.
وأضافت أنه من المهم أن يتلقى المريض العلاج المناسب تحت إشراف طبي متخصص، يحدد نوع المضاد الحيوي المناسب والجرعة الصحيحة، لأن ترك العدوى دون علاج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل تسمم الدم.
وأوضحت أن الامتناع الكامل عن تناول المضادات الحيوية بسبب الخوف من أضرارها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، خاصة في الحالات التي يكون فيها الدواء ضرورة طبية.
وقالت أنه، هناك من يرفض تناول المضاد الحيوي رغم حاجته إليه، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى تدهور حالته الصحية.