صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في زمن تتسارع فيه التحولات المعرفية والتقنية، وتزداد التحديات المجتمعية والثقافية تعقيدًا، تبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في المنظومة التعليمية التقليدية، والتركيز على بناء أجيال قادرة على التفكير النقدي والحوار الواعي.
وفي هذا السياق، أكدت الخبيرة التربوية عبير عقيل على أهمية إعادة النظر في الأساليب التربوية التقليدية، مشددة على ضرورة التركيز على المهارات الفكرية العليا التي تمكّن الطلبة من التفاعل الإيجابي مع بيئتهم، واتخاذ قرارات مدروسة، والتعبير عن آرائهم بحرية ومسؤولية، في ظل التحولات المعرفية والتقنية المتسارعة، وتزايد التحديات المجتمعية والثقافية.
وقالت عقيل خلال حديثها لـ”صدى الشعب” إن من أبرز هذه المهارات، تأتي مهارات الحوار والتفكير الناقد في مقدمة ما ينبغي أن تعنى به المؤسسات التعليمية، معتبرة إياها أدوات جوهرية وأساسية في بناء شخصية الطالب المتوازنة، الواعية، القادرة على الفهم والتأمل والمساءلة.
وأوضحت أن المدرسة لم تعد مجرد مكان لتلقين المعلومات، بل تحولت إلى مساحة تربوية لتنمية القدرات الذهنية والوجدانية والاجتماعية للطلبة، مشيرة إلى أن أهمية مهارات الحوار تكمن في تمكين الطالب من التعبير عن أفكاره، واحترام آراء الآخرين، والتواصل الفعّال مع محيطه.
وأضافت أن التفكير الناقد يُعد من المهارات العقلية العليا، كونه يعتمد على تحليل المعلومات، وفحص الحجج، واستخلاص النتائج المنطقية، والتمييز بين الحقيقة والرأي، مشددة على أن تحقيق هذا يتطلب بيئة تعليمية آمنة تتيح حرية التعبير دون خوف أو تهميش.
وشددت على أن المدرسة هي الحاضنة الأولى التي يتفاعل فيها الطالب مع الآخر، ويتعلم من خلالها قيم التعددية والتسامح واحترام التنوع، مؤكدة أن مسؤولية المدرسة تكمن في تأسيس مناخ يسوده الاحترام والانفتاح، حيث يشعر الطالب بالأمان النفسي والتقدير، وهو ما يفتح الباب أمامه للمشاركة في الحوار والنقاش بحرية وفاعلية.
المدرسة ليست للحفظ بل لصناعة العقول
وأشارت إلى أن أدوار المدرسة لا تقتصر على التعليم الأكاديمي فحسب، بل تشمل تصميم مناهج تعليمية محفزة للتفكير النقدي، وتطرح موضوعات حياتية معاصرة، وتثير تساؤلات عميقة تحفّز عقل الطالب، إلى جانب تهيئة بيئة صفية تشاركية تقوم على التفاعل والحوار، بدلاً من التلقين والحفظ.
كما دعت إلى تشجيع الأنشطة الثقافية والفكرية داخل المدرسة، كالمسابقات، المناظرات، والنوادي الحوارية، والمجالس الطلابية، لما لها من دور مهم في صقل شخصية الطالب، مشيرة إلى أهمية تعزيز ثقافة التساؤل بدلاً من الاكتفاء بالإجابات الجاهزة أو النمطية.
وفيما يتعلق بدور المعلم، أكدت أن نجاح المدرسة في تحقيق أهدافها مرهون بدور المعلم كشريك فعّال في تحويل تلك الأهداف إلى واقع ملموس داخل الصف، موضحة أن المعلم هو صاحب مفتاح التغيير التربوي، وهو من يحدد طبيعة العلاقة التعليمية بينه وبين الطلبة، ومن خلاله تُبنى بيئة تعليمية قائمة على الثقة والتفاعل الإيجابي.
وبيّنت أن المعلم الفعّال هو من يشجع الطلبة على طرح الأسئلة المفتوحة، ويمنحهم المساحة الكافية للنقاش والتعبير دون خوف من الوقوع في الخطأ، مشيرة إلى ضرورة توظيف استراتيجيات تعليمية حديثة، مثل التعلم القائم على المشكلات، وحلقات النقاش، والتعلم التعاوني، والتفكير بصوت عالٍ.
كما شددت على أن المعلم الناجح لا يكتفي بتقديم المعرفة، بل يعمل على تنمية روح النقد البنّاء، من خلال تدريب الطلبة على تحليل الأفكار، وتقييم الأدلة، ومقارنة وجهات النظر المختلفة، فضلًا عن تقديم تغذية راجعة بناءة تُسهم في تطوير المهارات الفكرية للطلبة دون إحباط أو تقليل من جهودهم.
وأوضحت أن المدرسة والمعلم يلعبان دورًا محوريًا في تنمية هذه المهارات، إلا أن الطالب يظل النواة الأساسية في العملية التعليمية، مشيرة إلى أن الطالب في العصر الحديث لم يعد متلقيًا سلبيًا، بل يجب أن يكون باحثًا، ناقدًا، ومشاركًا فاعلًا في إنتاج المعرفة وبنائها.
وتابعت انه لكي يكتسب الطالب هذه المهارات، عليه أن يتحمل مسؤولية تعلمه، ويكون شريكًا فعّالًا في العملية التعليمية، مشيرة إلى أهمية ممارسة مهارات الاستماع النشط، واحترام الرأي الآخر حتى عند الاختلاف، فضلًا عن ضرورة أن يطرح أسئلة نقدية تتجاوز سطحية المعلومة، ويبحث عن بدائل وتفسيرات أعمق، وأن يُراجع أفكاره باستمرار في ضوء المعطيات الجديدة.
وشددت على أن بناء جيل قادر على التفكير بعمق، والحوار بوعي، والنقد برؤية، هو استثمار حقيقي في مستقبل الأمة، لافتة إلى أن تكامل جهود المدرسة والمعلم والطالب في بيئة تربوية متوازنة من شأنه أن يضع اللبنة الأساسية لمجتمع معرفي قادر على التقدم وصناعة الرؤى المستقبلية وقيادتها، بدلاً من مجرد اتباع الآخرين.