صدى الشعب – كتب د.عبدالله الزعبي
في كل نهضة مرت بها الامم، وفي كل تحول اجتماعي وثقافي وفكري، كان المعلم حاضرا، شامخا، يؤدي رسالته النبيلة بصبر وعطاء لا محدود. واليوم، ونحن نعيش بدايات مرحلة جديدة من التغيرات التعليمية، تأتي البشائر من أعلى المستويات، لتؤكد أن المعلم هو محور التغيير، وعماد المستقبل.
جاءت قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، وبإرادة ملكية سامية، برفع مكرمة المعلمين من 5% إلى 10%، وتوفير أراض من مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري بخصم يصل إلى 50%، إلى جانب تسهيل الحصول على السلف من صندوق التربية، لتؤكد أن المعلم ليس مجرد موظف يؤدي واجبا وظيفيا، بل هو ركيزة من ركائز الأمن المجتمعي والتقدم الحضاري.
هذه الإجراءات ليست فقط دعما ماديا، بل هي رسائل احترام وتقدير للمعلم، وتأكيد على أن تحسين بيئة المعلم المعيشية هو نقطة البداية لأي إصلاح حقيقي في قطاع التعليم.
فالمعلم الذي يشعر بالأمان الوظيفي والرضا النفسي، يعطي من قلبه، ويبدع من عقله، ويزرع في نفوس طلابه قيما لا تقدر بثمن.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة التربية والتعليم في السنوات الماضية، والتي شكلت أساسا متينا لمسيرة التطوير الحالية. فقد عملت الوزارة سابقا على تعديل نظام الرتب للمعلمين، بهدف رفع كفاءة المعلم وإيجاد مسار مهني واضح يربط الأداء بالتحفيز.
كما أولت الوزارة اهتماما خاصا بإعداد المعلم قبل التحاقه بالوظيفة، من خلال تطوير برنامج دبلوم ما قبل الخدمة وهو دبلوم تخصصي يسهم في تأهيل المعلمين الجدد تربويا وعمليا، ويجهزهم بأساليب التدريس الحديثة، ليكونوا على قدر التحدي في بيئة تعليمية سريعة التحول ليصبح هذا الدبلوم مستقبلا (رخصة للمعلم ).
ولان الجودة تبدأ من اختيار الكفاءات، فإن الوزارة بدأت بتنظيم اختبارات تأهيل قبل التعيين لضمان أن يصل إلى ميدان التعليم من يمتلك الكفاءة والقدرة على أداء الرسالة التربوية بأفضل شكل ممكن. وضمن هذا التوجه، تعمل الوزارة على تحديث آليات التعيين والتدريب والتقييم، لتكون أكثر عدلا وشفافية وفاعلية.
ورغم إدراك الجميع أن تطوير منظومة التعليم يتطلب إمكانيات مالية وتقنية وبشرية ضخمة، إلا أن الإرادة الصادقة والرؤية الواضحة تسيران جنبا إلى جنب، في سعي دائم لتوفير كل ما يمكن لتحسين أداء المعلم وتطوير أدواته، وفق ما تسمح به الظروف والإمكانات.
وفي ظل الثورة الرقمية والتكنولوجية، أصبح من الضروري أن يتطور دور المعلم، ليكون أكثر من مجرد ناقل للمعرفة، بل شريكا فعالا في صناعة جيل رقمي قادر على التفاعل مع متطلبات العصر. ولهذا، تركز الوزارة اليوم على التدريب المستمر للمعلمين، وتحديث المناهج، وإدخال أدوات التعليم الرقمي إلى الغرفة الصفية.
ولعل من أبرز التحديات في المرحلة القادمة، هي دمج عناصر المنظومة التربوية المعلم، المنهاج، البيئة المدرسية، والطالب، في مشروع تنموي واحد، يهدف إلى خلق تعليم شامل، تفاعلي، وتطبيقي، يسهم في إعداد أجيال قادرة على التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والابتكار.
وفي النهاية، لا يمكننا بناء تعليم متطور دون معلم قوي.
فالمعلم هو نقطة الانطلاق، والضامن الأول لجودة المخرجات التربوية. وإذا كنا نحلم بمستقبل أفضل، فلابد أن نبدأ من هنا… من قاعات التدريس، ومن دفاتر الطلاب، ومن عيون المعلمين الذين ينتظرون منا فقط أن نومن بهم، ونمنحهم ما يستحقون.
فبالمعلم نبدأ… وبالمعلم نرتقي.
