الذي أحب الفقراء وسكن قلوب الزرقاويين
صدى الشعب – كتب خالد الخريشا
أن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية وقد تميزت بين المهن بتقاليد كريمة وميثاق شرف وقسم جرى العرف على أن يؤديه الطبيب قبل أن يبدأ مزاولة المهنة ومهنة الطب تستلزم ممن يزاولها صفات ومواهب خاصة هي الشفقة والرحمة والرفق بالغير والنزاهة وحب التضحية لخير المجتمع ورغم ان بوصلة الطب انحرفت من الانسانية الى الاستثمارية والمادية عند بعض الاطباء وخرج البعض منهم ليعشق المال الا ان بذرة الخير تبقى موجودة عند الخيرين ومن هؤلاء المرحوم الدكتور علي قنديل الذي غيبه الموت عن مدينة الزرقاء عن عمر ناهز السبعين عاما وعيادته في شارع السعادة القديم وتحديدا مقابل السرفيس الداخلي بالزرقاء كانت مقصدا لغالبية أهل الزرقاء وخاصة من بعض الشرائح التي ضاقت بهم ضنك العيش بخصوص ثمن كشفية الطبيب والعلاج فكان علي قنديل شمعة تنير لهم بلسم الحصول على التداوي والعلاج مجانا .
في صيف عام 2007 كنت مراسلا صحفيا لجريدة العرب اليوم اليومية في محافظة الزرقاء وكتبت قصة اخبارية عن عائلة فقيرة بمنطقة لواء الرصيفة وغالبية الاطفال من هذه العائلة كانوا يعانوا من مرض الاعصاب والروماتيزم وبعد يوم من كتابتي لهذه القصة بادر الدكتور علي قنديل بالاتصال بي طالبا رقم هذه الاسرة الفقيرة من اجل تقديم الرعاية الصحية لهم ضمن تخصصه واعدا بالإشراف على حالتهم متكفلا أيضا بالعلاج والادوية وقال لي بالحرف الواحد : يا استاذ اذا كان لدى الصحافة أي حالة مرضية لعائلات فقيرة ضمن تخصصي لا تبخلوا علينا بإرسالهم إلي وبالفعل كان يردنا بعض الحالات لفقراء قبل الكتابة الصحفية كنا نحولهم عبر الهاتف للطبيب الانسان الذي لم يكن يعشق المال كثيرا بقدر عشقه لمساعدة الفقراء واصحاب الحاجات وهذه المعلومة لم نكتب بها الا بعد وفاته .
وشاءت الاقدار ان نكون رفاق للدكتور علي قنديل في حزب الوسط الاسلامي وبعده في حزب الائتلاف الوطني حيث كان نعم الرفيق انسان بسيط لا يشعرك بالكبرياء والفرعنة ولا يتمختر كالطاووس بل على العكس كان الاكثرنا علما والأكثرنا تواضع وبساطة وانشراحا ، دمث الاخلاق وطيب المعشر ودائما مبتسم وهو أخ وصديق لرفاق الدرب في حزب الوسط الاسلامي وعيادته مقابل السرفيس الداخلي مفتوحة للقاصي والداني من أهل الزرقاء ، وهاتفه لا يمكن يغلقه الا لظرف طارئ .
الإنسانية لها أناسها لا تصلح لغيرهم تأتي على مقاس صاحبها يوهبها الله لأحبته ليكونوا تجليا ولله المثل الأعلى لصورة الرحمة التي أمر الله أن تكون في الأرض، وكما قالوا: الطب بلا إنسانية كالصلاة بلا وضوء فلا الصلاة تقرب دون وضوء.. ولا المريض يشفى دون إنسانية إن الشفاء يبدأ بالحصول على الأمل فإن أعطيت الإنسان الأمل بادلك إياها بالثقة ولا شيء يضاهي ثقة إنسان بك لدرجة أن يجعل روحه بين يديك يغلق عينيه بعد التوكل على الله موقنا أنه سيرى النور من جديد بفضلك حيث وصل إلى مسامعي في بيت عزاء الطبيب علي قنديل أن المرحوم كان يدفع إجارات منازل لعائلات فقيرة معوزة ضاقت بهم سبل العيش رحم الله علي قنديل الذي كان يضيء للفقراء حاجاتهم الطبية والانسانية .
عمل الدكتور قنديل في العديد من المستشفيات الحكومية والخاصة في مجال تخصصه كاستشاري امراض الباطنية والروماتيزم حيث عمل في مستشفى الامير حمزة بن الحسين وعمل في المستشفيات الحكومية بالسعودية وكذلك في معظم المستشفيات الاردنية الخاصة وشارك في العديد من المؤتمرات الطبية على المستوى المحلي والعربي والعالمي كما كان رئيسا لفرع نقابة أطباء الزرقاء لعدة مرات وعضو في مجمع النقابات المهنية وعضو فاعل في جمعية اطباء الروماتيزم وعضو في جمعية خريجي ايطاليا ، وعلى المستوى السياسي خاض الانتخابات البرلمانية عن منطقة الزرقاء الأولى عام ٢٠٢٠ وكان رئيسا لفرع حزب الوسط الاسلامي بالزرقاء وكذلك رئيسا لحزب الائتلاف الوطني بعد عملية دمج الاحزاب .
فهو لا يتقاضى ممن قصده من الفقراء والمحتاجين واصحاب الحاجة أية أجور بدل “كشفية” ، وربما أعطى آخرين ممن يحتاجون العلاج من عنده ، فاستحق أن يكون ” طبيب الفقراء ” ، لا يرد محتاجا ولا ينهر مريضا تلقّى تعليمه من إحدى جامعات ايطاليا الطبية العريقة، وظلّ وفيّا لرسالة الطب ومساعدة الناس وشفاء آلامهم ولم يتاجر بأوجاعهم، يمثل نموذجا إنسانيا فريدا ، مخلصا لرسالة الطب في تخفيف آلام الموجوعين ، لم يتاجر بشهادته ، ولم يتعال ويتكبر على الناس بعلمه ، وظل وفيّا لأهل الزرقاء .
تقول الدكتورة الصيدلانية رندة ابنة الدكتور المرحوم “علي قنديل” لقد شكلت وفاة والدي وتحديدا في مدينة الزرقاء صدمة لأهله ومحبيه وأبناء منطقته الذين أحبوه لما تحلّى به والدي من إنسانية في عيادته الطبية وفي تعامله مع مرضاه وأبناء المجتمع المحلي كافة فقد كان ملتزماً بقيم ومعايير خيرة وطيبة، وهو ما أشار إليه كثير ممن عاصروه وسمعوا عنه وعدّوا رحيله خسارة للمنطقة وللأهالي.
تشير الدكتورة رندة أن والدها معطاء كطبيب وكأب وكزوج وايضا في نقابة الأطباء بالزرقاء التي تراسها عدة مرات كان له بصمه لا يبخل مع احد وقبل خمسة شهور من وفاته كان يصارحني ويقول : (أحب أن أموت وأنا على رأس عملي وأنا أحب أن أدخل المستشفى كطبيب وليس مريض ) وهناك أدوية كانت تكلفتها عالية كان يطلبها عن طريقي بحكم عملي ليؤمنها لمرضاه المحتاجين وأضافت إن رحلة الخير والمحبة والانسانية ستبقى مستمرة في عائلتنا لأن المرحوم والدي زرع هذه البذرة الطيبة التي لا تموت في نفوس أولاده خاصة وان شقيقي وائل دكتور جراحة وعظام ووالدتي ميادة عباس أخصائية أورام وعيادتها في جبل الحسين وهي تسير على نهج الوالد في عمل الخير والانسانية اما بخصوص اشقائي طارق ومحمد وريم تخصصوا في مجال تكنولوجيا المعلومات .
تضيف الدكتورة رندة امتاز والدي بالكفاءة العلمية والطبية، لذلك يعد رحيله خسارة لا تعوّض، سواء لمرضاه الذين كانت تغص بهم عيادته أو لأسرته التي كانت تعدّه صديقاً، قبل أن يكون فرداً من أفرادها، كان يملك شخصية مهذبة وأنيقة ومتواضعة، ومحبة للناس وزملائه من الاطباء لا بل قبل وفاته بأيام كان ملتزما بالدوام بعيادته و توفي رحمه الله وهو يقدم محاضرة طبية عبر الاونلاين، ومن سن الطفولة كان يعتمد على برنامج معين وثابت للدراسة والحياة بشكل عام، وتخصص في طب الباطنية والروماتيزم من أرقى جامعات إيطاليا ليكمل مشواره الطبي في العديد من المستشفيات قبل أن يفتتح عيادته الخاصة وسط الزرقاء، وكان هدفه دائماً مساعدة الناس والمحتاجين الذين لا يملكون ثمن الكشفية والعلاج .
بالإضافة إلى المعاينات المجانية وأكثر من ذلك يقوم بتأمين الدواء لمن لا يقدر على شرائها، وكثيراً ما وجدته في العيادة يمنح الأدوية أيضاً للمرضى مجاناً، كان يتحفظ أن يعلن عن نفسه بالعمل المجاني سواء للمعاينات أو تقديم الادوية للمحتاجين، كان يعدُّ ذلك واجباً لأهله وأبناء منطقته، وللأسف خسارتنا به كبيرة، خسرناه جميعاً، خسرنا إنسانيته لأنه كان يعشق عمل الخير
، ومحباً للإنسانية ومساعدة الناس، يقصده الفقير واليتيم ومن لا يملك ثمن المعاينة، وليس غريباً أن يترك رحيله أثراً في كل من عرفه أو سمع به .
الى جنات الخلد ايها الطبيب الانسان وتغمدك الله برحمته الواسعة ورضوانه .