أبو طربوش لـ “صدى الشعب”: التربية الإيجابية أساس بناء شخصية الطفل
الزبون: التربية الإيجابية تبدأ من الأسرة وتنمو بالحب والاحترام
صدى الشعب _ أسيـل جمـال الطـراونـة
في عالم تتسارع فيه التغيرات النفسية والاجتماعية، تبرز أهمية التربية الإيجابية كأحد الأسس الجوهرية في بناء شخصية الطفل، وتعزيز نموه النفسي والعاطفي بشكل صحي ومتوازن، فمع تعدد المؤثرات وتزايد الضغوط المجتمعية، بات من الضروري اعتماد أساليب تربوية أكثر فاعلية ووعيًا، تأخذ بعين الاعتبار حاجات الطفل النفسية وسلوكه اليومي.
ولم تعد الأساليب التقليدية القائمة على التوبيخ والعقاب كافية وحدها لتشكيل جيل واثق من نفسه، بل على العكس، أصبح الاعتماد على مفاهيم مثل التعاطف، الحوار، والحدود الواضحة جزءًا لا يتجزأ من عملية التربية الحديثة.
وقد أظهرت دراسات تربوية متعددة أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة إيجابية يشعرون بالأمان والدعم، ويتمتعون بثقة أكبر في أنفسهم، فضلًا عن امتلاكهم قدرة أعلى على التفاعل الاجتماعي والتأقلم مع التحديات الحياتية.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور جميل أبو طربوش، المتخصص في علم النفس الإكلينيكي، في حديثه لـ”صدى الشعب”، أن التربية الإيجابية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك الطفل من خلال إيجاد توازن دقيق بين التساهل أو التدليل، وبين الشدة والانضباط.
ويشير إلى أن أهم نقطة يجب التركيز عليها هي توعية الأهالي، خاصة أولئك الذين لديهم أبناء حديثو الولادة، أو ممن لا يزالون في بداية طريقهم في التربية والتنشئة.
ويضيف أبو طربوش أن العديد من الدول تطرح برامج إرشادية مخصصة للتربية الحديثة، تهدف إلى تمكين الأهل من المهارات السلوكية الضرورية للتعامل مع أطفالهم. ويوضح أن من بين هذه المهارات
فنيات التعزيز والعقاب ، وهنا يشدد على أن العقاب لا يعني الضرب بأي شكل من الأشكال، بل يُقصد به أساليب مثل الحرمان أو التجاهل، وغيرها من الوسائل السلوكية التي يمكن أن تساهم في بناء تطور نفسي وسلوكي سليم لدى الطفل.
ويتابع ابو طربوش مثل هذه الممارسات تعود بنتائج إيجابية على الطفل ليس فقط خلال فترة الطفولة، بل تمتد إلى مرحلة المراهقة، ومن ثم إلى الرشد، سواء في الجامعة أو ما بعدها، حيث تساعد في بناء شخصية متزنة قادرة على التكيف مع مختلف الظروف، وتؤثر بشكل مباشر في ثقته بنفسه وعلاقاته الاجتماعية.
كما حذّر أبو طربوش من بعض الأخطاء الشائعة التي يرتكبها العديد من الأهالي، ومن أبرزها تلبية جميع رغبات الطفل، خاصة في ما يتعلق بالكماليات والمغريات الحياتية ، حيث يحاول بعض الأهل تعويض أبنائهم عن طفولة صعبة عاشوها هم أنفسهم، فيلجؤون إلى إغراق الطفل بكل ما يتمنى، دون ربط ذلك بأي مجهود أو سلوك. ويرى أن هذه الممارسة تخلق شخصية ضعيفة ومُشبعة بشكل مفرط، مما يؤدي إلى تدنّي مستوى الدافعية عند الطفل تجاه الحياة ومتطلباتها.
ويشدد على ضرورة أن يرتبط حصول الطفل على أي شيء وخصوصًا الكماليات بسلوك إيجابي أو إنجاز مهم، ليُكافأ عليه.
كما يرى أن من المهم جدًا أن تكون المكافأة مفاجِئة وغير متفق عليها مسبقًا، لأن ربط المكافأة بسلوك مشروط مسبقًا كأن يُقال له “ادرس حتى تحصل على اللعبة” هذا يخلق نمطًا غير صحي في عقل الطفل، إذ يبدأ بالتصرف فقط عندما ينتظر شيئًا مقابل ذلك، ما ينعكس لاحقًا على استقراره النفسي ويقلل من دافعيته الذاتية.
ويضيف ابو طربوش الأهم هو أن نُعزز السلوك الإيجابي فور حدوثه، دون سابق اتفاق، ونوضح للطفل سبب المكافأة، لأن ذلك يُرسّخ السلوك الجيد بطريقة طبيعية، بينما الأساليب المشروطة تُنتج شخصية غير متزنة تعتمد على المقابل دائمًا
ولفت الدكتور أبو طربوش كذلك إلى أحد أبرز أساليب التنشئة الخاطئة، وهو مقارنة الطفل بغيره، سواء بأشقائه أو أقاربه أو زملائه في الجانب الأكاديمي.
ويؤكد أن هذه المقارنات تُحدث أضرارًا نفسية كبيرة، وتؤثر على دافعية الطفل، كما تزعزع علاقاته الاجتماعية وتضعف ثقته بنفسه.
ويختم حديثه بالتأكيد على ضرورة إخضاع الأهل وخصوصًا الآباء والأمهات الجدد لدورات متخصصة في أساليب التربية والتعامل مع الأبناء من النواحي السلوكية والنفسية والانفعالية، لأن معظم الأهل، بحسب تعبيره، يعتمدون في تعاملهم على اجتهادات شخصية أو على ردود فعل مكتسبة من بيئتهم، دون وعي حقيقي بأسس التربية السليمة
من جانبها، توضح الدكتورة ثناء فواز الزبون، المتخصصة في علم النفس التربوي، لـ”صدى الشعب” أن موضوع التربية الإيجابية يعتبر من المواضيع المهمة جدًا خاصة في عملية التربية.
وتشير إلى أن في علم النفس التربوي نقول: ربوا سبعًا وأشبعوهم لعبًا سبعًا وصاحبوهم سبعًا، ما يعني أن الأطفال منذ الولادة وحتى عمر سبع سنوات يجب إشباعهم باللعب والتعليم عن طريق اللعب، ثم تأتي التربية من عمر 7 إلى 14 سنة حيث يكون الطفل قادرًا على فهم المفاهيم المجردة
وتضيف الدكتورة الزبون أن التربية الإيجابية هي التي يستخدم فيها الحب، الاحترام، التشجيع، الرعاية، وتأمين بيئة إيجابية، مما يساعد الطفل على النمو بأمان وتنمية الثقة الإيجابية بالنفس.
وتؤكد على أهمية إشباع الجانب العاطفي لدى الطفل، محذرة من أن إذا لم يشبع من الأهل، سوف يبحث عنه في المجتمع، واحتمال أن يتلقى المعلومة خاطئة من المجتمع
كما تشدد على أن التربية الإيجابية لها دور كبير في تنمية الشخصية لدى الأطفال، فهي تنمي شخصية الطفل ليكون واثقًا من نفسه، وتساعد في بناء شخصيات قيادية أو متزنة.
وتنبه الدكتورة الزبون إلى أن التربية الإيجابية تتطلب من الأهل اتباع صفات معينة، مثل السلام الداخلي، وعدم وجود صراعات زوجية، لأن ذلك ينعكس تلقائيًا على الأطفال
وتختم بالتأكيد على أن التربية الإيجابية تؤدي إلى آثار إيجابية طويلة المدى على الأطفال، مثل تنمية علاقات إيجابية اجتماعية وعاطفية، وتحسين الشخصية والسلوكيات، وزيادة احترام الذات بشكل كبير.
التربية الإيجابية ليست مجرد أسلوب تربوي، بل هي فلسفة حياة تتطلب من الأهل الوعي والتوازن في التعامل مع أبنائهم، مما يسهم في بناء جيل واثق ومتوازن قادر على مواجهة تحديات الحياة بثقة ونجاح.