كتب – فايز الشاقلدي
كلمات الوفاء والحب نسجها معرض عمان الدولي للكتاب باختيار المؤرخة والأكاديمية الدكتورة هند أبو الشعر ( الشخصية الثقافة لعام 2023 )، فقد استطاعت (أبو الشعر)، أن تسطر اسمها في الوسط الأدبي ، وتشكل حضوراً في المشهد الثقافي ككاتبة وقاصة وباحثة ومؤرخة في التأريخ الأردني، فإبداعها لا يكمن فقط بعدد الإصدارات، بل بما حظيت به من إعجاب ولفت أنظار الباحثين عن قيمة التاريخ ، حيث رسمت بقلمها مشهد المواطن الأردني وشخصت واقعه ومعاناته.
اتسمت أعمال (أبو الشعر) بالالتزام ، والحس الإبداعي والفني وصرامة البحث العلمي كمؤرخة وأكاديمية دون أن يطغى جانب على الآخر ، حيث التصقت هذه القامة الثقافية والابداعية بقضايا الوطن ومحيطها العربي وانسانيتها العالمية؛ وتميزت بالمشهد الثقافي الابداعي بين أوساط الكثير من الكتاب والأكاديميين ، ورغم قدرتها التنافسية والابداعية إلا أنها بقيت في إطار النوعية لا تهتم بالكم والكثرة ، حيث وجدتها ذات إنتاج معتدل في القصة ، بجانب مجالات وميادين كثيرة عدة فهي باحثة وأكاديمية وادارية .
بدأت ( أبو الشعر)، تغزل حروف اللغة بنظم الشعر في مرحلة مبكرة من حياتها، ونشرت إنتاجها في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية، إلى جانب مشاركتها في النشاطات الأدبية أثناء دراستها في الجامعة الأردنية بالعديد من الأمسيات الشعرية ، ثم انتقلت للمشاركة في أمسيات شعرية متعددة في الأندية الثقافية مثل نادي خريجي الجامعة الأردنية ، وجامعة اليرموك ، وجمعية اليرموك في الزرقاء ، ونادي أسرة القلم ، ونادي الشبيبة المسيحي ، ونادي دير اللاتين ، إضافة إلى أندية أخرى في كل من إربد والمفرق .
ومنذ أن انتسبت إلى رابطة الكتاب الأردنيين انتقلت إلى كتابة القصة القصيرة ، وتخصصت بها ، ونشرت إنتاجها في مجلة ” صوت الجيل ” الصادرة عن دائرة الثقافة والفنون ، ومجلة أفكار ،وصحف الرأي والدستور وصوت الشعب ، إضافة إلى صحف عربية متعددة في الخليج ( الفجر ، البيان ، الشرق الأوسط )، وصحف مغربية وعراقية ،وبعدها اتسعت مشاركاتها في العشرات من الأمسيات القصصية والمحاضرات حول فن القصة لتصل إلى أكثر من 110 أمسية وندوة .
وجمعت إنتاجها القصصي في ست مجموعات قصصية حتى الآن ورتبتها على النحو التالي …(شقوق في كف خضره من منشورات رابطة الكتاب الأردنيين عام 1982 ، المجابهة ، عمان/ 1984 ، الحصان ، منشورات رابطة الكتاب الأردنيين / 1990 ، عندما تصبح الذاكرة وطنا ، منشورات وزارة الثقافة / 1996 ، الوشم من منشورات الدائرة الثقافية لأمانة عمان الكبرى ، 2000 ، مارشات عسكرية عن دار ورد ، عمان ، 2015 م )، وهناك مجموعة أضاعوني وهي ( قيد النشر ) ، إضافة إلى مجموعة شعرية لم تنشر بعد .
وصدرت لها أيضا الأعمال الكاملة ، عن البنك الأهلي ، عمان ، 2006 ، وتضم ( الشعر ، القصة القصيرة ، النصوص ، والمشاهد المسرحية ) ، وقريبا ستصدر رواية ( العتبة ) .
أنجزت ( أبو الشعر)، مجموعة من الأعمال التاريخية التي تغطي تاريخ الأردن وبعض الدول العربية ، إضافة إلى ما انجزته من أعمال تاريخية عن الدولة العثمانية ، والوثائق الهاشمية، لذلك تعتبر مرجعية تاريخية بما انجزته من مؤلفات تتضمن التاريخ الشمولي والمتكامل للأردن ومحيطة وعلاقته مع دول الجوار .
هذه الذخيرة المعرفية في الأدب والرواية والتاريخ، يجعلها تتبوأ مكانة تستحقها بين النخب الثقافية في الأردن، لذلك لم يكن اختيارها من قبل اتحاد الناشرين الأردنيين غريبا ، “وليس حدثا شخصيا ، يخص مبدعا بعينه ، فهو حالة ثقافية جمعية؛ تعني أن مؤسسة كبيرة مثل اتحاد الناشرين توافقت على تكريم حالة إبداعية” ،كما تقول (أبو الشعر)، فالاختيار له مبرراته التي تقوم على حجم المنجز وتفوقه وتعدديته في مجالات متنوعة ، وكلها تَصب في عالم الفكر والثقافة والإبداع ، ولأن الكتاب هو خلاصة المعرفة والفكر والحضارة ، فإن لهذا الاختيار وهجه لدى المبدع الذي يشعر بأن لمنجزه الموقع الوازن، الذي يقدره أصحاب الفكر والمتعاملين مع عالم الكتاب ، ممن يعرفون ويقيمون هذا المنجز .
وتعتبر أن هذا هو الشعور المختلف عن حالات التكريم الأخرى التي تقدمها مؤسسات ثقافية لعالم الإبداع لدينا ، صحيح أن هناك حالة من الاحترام والتكريم التي أصبحت ظاهرة في حياتنا الثقافية ، حيث تقوم مؤسسات ثقافية بتكريم بعض أفرادها ، كالاحتفاء بشاعر أو قاص أو إشهار كتاب لمؤلف عضو في مؤسسة ما ، لكن هذا الاحتفاء من معرض الكتاب الدولي له وهجه الخاص ، لأنه يمثل أكبر تظاهرة للكتاب المحلي والعربي والدولي وتصاحبه فعاليات ثقافية خاصة مع اختيار ضيف العام ، والضيف لهذه الدورة دولة قطر الشقيقة ، هذا التكريم يعطي( أبو الشعر)، إحساس خاص بالفرح لأن لديها أكثر من 86 كتابا منشورا حتى الآن ، ما بين القصص والدراسات التاريخية والتوثيق الأكاديمي المدروس لتاريخ الوطن مع بدايات التأسيس ، وهذا يعني أن وطنها يثمن لها هذا الإنجاز ، مما يدفع الدم الحار في عروقها ويجعلها تقف بقوة على أقدامها استعدادا لتقديم إنجازات جديدة قادمة .
تعتز (أبو الشعر)، بكل انجازاتها ولكن أكثر ما تفتخر به أنها بدأت في كاتبة القصة القصيرة ، وتعتبر نفسها كذلك ، وهو ما تصرح به دوما بكل اعتزاز ، لأن القصة القصيرة برأيها فن نبيل وراق ، ولأنه فن صعب يتطلب من صاحبه الدربة والمقدرة اللغوية والرؤية واتقان جماليات اللغة ، وهذا كله يبدأ من الموهبة التي يصقلها صاحبها وهو ما تسميه( بالدربة) ، فقد كتبت القصة القصيرة منذ بدايات مشوارها الأدبي ، وقدمت حتى الآن سبعة مجموعات قصصية ، فضلا عن أعمالها الكاملة المنشورة في الشعر والنصوص والمشاهد المسرحية ، أما هذا العام، كما تقول، فستقوم بنشر مجموعة قصصية جديدة عنوانها ( أضاعوني )، ” وهو ما يفرحني حقا ، لأنني انشغلت طوال السنوات الخمس الماضية بأعمال أكاديمية وبحثية ، حتى طغى علي تعريف الآخرين لي بأنني ( المؤرخة ) وهذا ما يربكني ، لأن الإبداع لدي هو عالم القصة القصيرة” .
كتابات الدكتورة هند أبو الشعر ، القصصية والروائية، لاقت إقبالا واهتماما من النقاد والباحثين ، فالكتابات التي تلفت النقاد والباحثين هي التي تشكل قيمة فنية ، وتستحق القراءة والدراسة .
ناضلت ابو الشعر بحس المسؤولية وشعرت أن الضمير هو الذي يوجه الكاتب ويحركه ، فصاحب القلم لا يمثل مقدرة فنية فقط على التعبير ، بل إنه ضمير جمعي ، وربما كان هذا هو روح الإبداع عندما يشعر الكاتب أنه يملك موهبة حية ونزيهة ونبيلة ، فليس كل صاحب قلم لديه الحس بالمسؤولية ، وهنالك أقلام خائنة وأخرى نبيلة وأخرى لا لزوم لها ، وهناك أقلام وطن أو أقلام مأجورة .
ساهمت (أبو الشعر) ، بتأسيس ( جماعة الفنانين التشكيليين الشباب ) سنة 1981 ، وشاركت في المعارض السنوية التي أقامتها الجماعة ما بين سنتي 1981 و 1988 في كل من عمان والزرقاء وجامعة اليرموك ودمشق .
هذه الحصيلة الثقافية والمعرفية أهلها لتتجه إلى الكتابة الصحفية، فالتزمت (أبو الشعر) بكتابة عمود أسبوعي في صحيفة الدستور لمدة عام ،ثم انتقلت لكتابة العمود الأسبوعي في جريدة الرأي ، وكتبت عامودا أسبوعيا ما بين سنتي 1988 و 1998 ، كما كتبت في صحيفة ” صوت الشعب ” لمدة محدودة .
كما زينت كتابتها بزاوية أسبوعية في جريدة الرأي بعنوان ( أوراق الأجداد ) ، وكتبت زاوية أسبوعية بواقع صفحة كاملة بعنوان ( ذاكرة الوطن من 1999 – 2000 ) في جريدة الرأي ، كما نشرت مذكرات خليل سماوي على حلقات أسبوعية لمدة 48 حلقة ، بعنوان ( أردني في المكسيك ) ونشرها ( مركز الرأي للدراسات ) كتابا بنفس العنوان .
الاتجاه عن الكتابة التاريخية، لتؤرخ لأحداث منسية أو ربما لم يطلع عليها الناس، لذلك كانت فكرة نشر قراءات في جريدة القبلة الحجازية لمدة عام ونشرت في جريدة الرأي بمناسبة مئوية النهضة العربية عام 2016 ، وجمعت بكتاب صادر عن سلسلة الوثائق الهاشمية بعنوان ( ذاكرة النهضة ) عام 2018 ، ونشرت مذكرات ( تحسين قدري ) لمدة عام في جريدة الرأي ، بعنوان ( الرجل الذي لازم الملك فيصل الأول مثل ظله ) . 2017 – 2018 ، وستنشر في كتاب لاحقا مع أرشيف صور البلاط العراقي ، كما ساهمت في نشر مراجعات لجريدة القبلة في عام المئوية للثورة العربية الكبرى في جريدة الرأي لمدة عام كامل عام 2016 م أسبوعيا .
لاقت هذه الوثائق التاريخية استحسانًا لدى العديد من الجهات ،إلى جانب أعمالها الأدبية الأخرى، فكان لها مشاركات في المؤتمرات الثقافية المحلية والعربية لعرضها أمام الحضور، ومنها المؤتمر الثقافي الوطني الأول ، المؤتمر الثقافي الوطني الثاني في الجامعة الأردنية ، المؤتمر الثقافي الوطني الثالث ، المؤتمر الوطني الثقافي الرابع في الجامعة الأردنية ، المؤتمر الثقافي الوطني الخامس في الجامعة الأردنية ، مهرجان المربد الشعري في بغداد لثلاث مرات ، ومثلت الأردن بوفد من رابطة الكتاب الأردنيين في ندوة ” المرأة العربية والإبداع ” في بيروت خريف عام 1992 م ، وفي المؤتمر الدولي المنعقد بجامعة حلب للدولة العثمانية ، ومثلت الأردن في احتفال الجامعة العربية في تونس بمئوية النهضة عام 2016 م وألقت ثلاث محاضرات في الإسيسكو وجامعة منوبة وصفاقس ،ومثلت الأردن في الاحتفاء بالقاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية بإلقاء محاضرة عن تاريخ القاهرة من خلال خطط المقريزي ، كما شاركت بأمسية قصصية .
الحياة الأكاديمية
تعود هند أبو الشعر، إلى حياتها الأكاديمية التي بدأت في عام1995 مع نشأة جامعة آل البيت، فقد كانت من أوائل الأساتذة العاملين لقسم التاريخ ومن المؤسسين لهذا القسم ، وكان لها منشوراتها في مجال تخصصها كحركة المختار بن أبي عبيد الثقفي في الكوفة ، منشورات عمادة البحث العلمي ، الجامعة الأردنية ، عمان ، 1984 ، و إربد وجوارها ( ناحية بني عبيد 1850 – 1928 ) و منشورات جامعة آل البيت وبنك الأعمال ، عمان ، 1995 م ، طبعة أولى ، وصدرت الطبعة الثانية منه عن وزارة الثقافة في مشروعها ( القراءة للجميع ) ضمن مكتبة الأسرة .
جمعت هند أبو الشعر، الشعر والقصة والرواية وكتابة التاريخية، كما هي تجمع في عملها بين الأكاديمية لا تنفصل عن شخصيتها الادارية وكذلك العكس ، فقد عملت مدرسة في قسم التاريخ ، ورئيسة للقسم تضع الخطط والإستراتيجيات وتطورها ، ويتدرج القسم في برامجه من البكالوريوس إلى الماجستير ، وهي عضو فاعل وشاهد على مراحل تطور قسم التاريخ في جامعة ال البيت.
وتسلمت رئاسة القسم من عام 2003 إلى عام 2005 ، وكان أعضاء القسم في هذه الفترة أسرة واحدة في تحابهم وتآلفهم والفتهم ، وذلك لحسن إدارتها وبث روح الفريق والاخوة فيهم .
تستحق الدكتورة هند ابو الشعر، كل الألقاب الأدبية وتستحق أن تكون القاصة والروائية، والمؤرخة ، والأكاديمية ، فهي مجمع لغوي وأدبي ، وتستحق التكريم من اتحاد الناشرين الأردنيين ،لذلك انتهجت خطا واضحا ومدروسا منذ أن تحولت إلى العمل الأكاديمي، وبدأت تكتب التاريخ ، وتقول ” استهواني البحث في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والطبقية، وتوجهت نحو كتابة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي ولم أكتب في التاريخ السياسي و العسكري، وربما كانت خلفيتي ككاتبة قصة سببا في هذا التوجه.. هذا ما أحلله بيني وبين نفسي”.
وفي هذه المرحلة أثبتت أنها مؤرخة مهادنة وليست صدامية ، فالتحجيم أو التهميش والمبالغة ليست حالة طبيعية ولا بد من المنهجية والموضوعية في تعاملنا مع التاريخ ،وتعرج بأنها تحب أن تكتب تاريخ الأرض وما عليها ولا تظن أن المعارك والدماء والأبطال والأباطرة هم وحدهم الذين يستحقون التأريخ، لكن تعترف بأنها ليست صدامية بهذا المعنى لأنني صاحبة موقف،” وأحفر بعمق في المصادر ولا أبني أحكاما مسبقة وأنتصر للحقيقة أولا وأنتصر للإنسان في كل ما أكتب”.
ولا تجد ( أبو الشعر) الآن مشكلة في الجمع بين الجانب الإبداعي وهو القصة والفن التشكيلي، وبين الجانب العقلاني والمنهجي بدراسة التاريخ كعلم وتدريسه، فتقول” لقد تعبت عندما اتخذت قرار التحول إلى العمل الأكاديمي ووجدت نفسي أمام معضلة صياغة ونحت لغة جديدة في كتابة التاريخ، تختلف عن لغة الإبداع، لكن دراسة التاريخ من مصادر رائعة شكلت لدي إثراء لا مثيل له لمخزوني، وبت أعتقد أن على الكتّاب أن يقرؤوا التاريخ ليكون الأرضية الصلبة التي يقفون عليها”.
عملت ( أبو الشعر) في كل الميادين بجهد، ” لأوازن بين هذين العالمين، ووصلت إلى معادلة الإفادة من محيطات التاريخ الزاخرة لزيادة مخزوني ككاتبة تتعامل مع فن القصة والسرد، والإفادة من لغتي ككاتبة في تقديم نص تاريخي علمي وجميل في آن لا ينفر القارئ أو يخاطبه بجمود ولا يغيبه في مجاهل اللغة”.
لم تبتعد ( أبو الشعر)، في كتاباتها عن همها الوطني وعن هم القضية الفلسطينية الذي تحمله في كتابتها، فما يؤرقها ضميرها المفكر والمبدع .. متمنية أن ينعكس الهم الذي حملته على أكتافها على المنجز الثقافي