صدى الشعب – كتب د.واصف يوسف العابد
يشهد العالم تحولًا رقميًا غير مسبوق يُعيد تشكيل أسس المجتمعات والاقتصادات. هذا التحول يفرض علينا ضرورة التفكير في نموذج رقمي جديد، لا يكتفي بالابتكار التكنولوجي، بل يُؤسس لواقع شامل، منفتح، مستدام، وآمن لجميع الأفراد، دون استثناء. وفي ظل التفاوت الرقمي بين الدول، تتعاظم الحاجة إلى سياسات شمولية تدمج الجوانب التقنية، الأخلاقية، والإنسانية، لضمان عدم تخلف أحد عن ركب المستقبل.
أولًا: الرقمنة… أداة لا غاية
التحول الرقمي ليس هدفًا في حد ذاته، بل أداة لتحسين حياة البشر، وتعزيز رفاه المجتمعات، وتيسير الوصول إلى الخدمات. ومن هذا المنطلق، فإن التمكين الرقمي لا يمكن أن يقتصر على تطوير البنية التحتية فحسب، بل يجب أن يشمل:
بناء القدرات البشرية الرقمية.
ضمان العدالة الرقمية في الوصول إلى الإنترنت والتكنولوجيا.
تعزيز الإطار الأخلاقي والقانوني لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وبيانات المستخدمين.
ثانيًا: المستقبل الرقمي الشامل
الشمول الرقمي يعني ألا يُستثنى أحد من فرص التقنية: لا بسبب الجنس، أو السن، أو الجغرافيا، أو القدرة. ويشمل:
إدماج الفئات الهشة (الأشخاص ذوو الإعاقة، كبار السن، اللاجئين، النساء في المناطق الريفية).
إتاحة الوصول المفتوح إلى المعرفة الرقمية والتعليم عن بعد للجميع.
دعم التحول الرقمي في المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الاقتصاد المحلي.
في المنطقة العربية، يُعد سد الفجوة الرقمية شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
ثالثًا: الرقمنة المنفتحة والمستدامة
التحول الرقمي المنفتح يتطلب:
تعاونًا دوليًا مفتوحًا في الابتكار والمعرفة.
تطوير بنية تحتية رقمية خضراء تستهلك طاقة أقل وتقلل من الانبعاثات.
تحفيز الابتكار الرقمي في مجالات الطاقة والمياه والزراعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs).
فالبيئة الرقمية يجب أن تُصمم لتدعم أهداف الاستدامة البيئية والاجتماعية، لا أن تتعارض معها.
رابعًا: بيئة رقمية مأمونة ومؤمنة
التحول الرقمي لا يكتمل دون توفير بيئة تحترم الخصوصية وتحصن المجتمعات ضد المخاطر. يشمل ذلك:
تعزيز الأمن السيبراني وبناء ثقافة حماية البيانات الشخصية.
مكافحة الجرائم الإلكترونية وخطابات الكراهية عبر الإنترنت.
بناء الثقة الرقمية بين المستخدمين والمؤسسات.
كل ذلك يرسّخ مفهوم السيادة الرقمية وحق الأفراد في التحكم بمعلوماتهم وهويتهم الرقمية.
خامسًا: دور المنظمات والمجتمع الدولي
تقع على عاتق المنظمات الدولية والحكومات والمؤسسات الأكاديمية مسؤولية:
وضع أطر تشريعية وأخلاقية للتحول الرقمي.
إطلاق مبادرات شراكة رقمية عربية ودولية.
الاستثمار في البحث العلمي والتطوير في الذكاء الاصطناعي المفتوح والمُنصف.
إشراك الشباب في رسم السياسات الرقمية كونهم قادة التحول القادم.
خاتمة: نحو عقد رقمي عربي جديد
إن بناء مستقبل رقمي شامل ومنفتح ومستدام ومأمون هو التحدي الذي يتطلب منا تكامل الرؤية والسياسات والقيادة. ففي العالم العربي، هذه الرؤية ليست رفاهية، بل ضرورة لتعويض ما فات، والانطلاق نحو اقتصاد المعرفة، وتعزيز الهوية الرقمية، وتمكين المواطن العربي في بيئة تكنولوجية آمنة ومنصفة.
نحن في المنظمة العربية للتنمية المستدامة، نضع هذا الهدف في صميم رسالتنا، ونؤمن أن التمكين الرقمي هو الطريق نحو عدالة اجتماعية رقمية، تنمية اقتصادية مستدامة، ومجتمع عربي قادر على مواجهة تحديات الغد بثقة وابتكار.