في رحيل هادئ وملامح تتلون بالألم، فقدت الأوساط الثقافية العربية يوم الجمعة أحد أبرز أعمدتها، الكاتب الفلسطيني السوري حسن سامي يوسف، عن عمر يناهز 79 عاماً، كانت حياة يوسف سلسلة من الفصول الدرامية، مرّت بين المنفى والكتابة، تاركا أثراً لا يمحى في ذاكرة الأدب العربي.
حسن سامي يوسف الذي قضى معظم سنوات حياته كلاجئ في سوريا، لم يكن مجرد كاتب درامي، بل كان صوتاً للأمل وصدى لمعاناة الإنسان الفلسطيني.
النكبة واللجوء
ولد حسن سامي يوسف في قرية لوبية بقضاء طبريا عام 1945، ولتسع سنوات فقط، عاش يوسف حياة طفولية هادئة قبل أن تغير النكبة مجرى حياته وحياة آلاف الفلسطينيين، في عام 1948، اجتاحت النكبة قريته، وحمل يوسف مع عائلته عبء اللجوء إلى لبنان ثم إلى سوريا، حيث استقرت الأسرة في دمشق، بدأت رحلة يوسف من حياة اللجوء إلى عالم الأدب والفن، فكان هناك من يطلق عليه لقب “كاتب الدراما الذي لم ينسَ فلسطين”.
المسرح والتأليف الدرامي
بعد إنهاء دراسته الثانوية، عمل يوسف في المسرح القومي بدمشق، حيث انخرط في عالم الفن بشكل جاد، ولم يكن الشاب الفلسطيني بعيدا عن قضايا وطنه، فساهم مع زملائه في تأسيس فرقة المسرح الوطني الفلسطيني التي قدمت عروضاً في مختلف العواصم العربية، وفي عام 1968، أرسلته وزارة الثقافة السورية إلى المعهد العالي للسينما في موسكو، حيث تخصص في كتابة السيناريو، وعاد بعد خمس سنوات حاملاً شهادة الماجستير ليبدأ رحلة جديدة في المؤسسة العامة للسينما بدمشق.
أعماله الأدبية والدرامية
قدّم حسن سامي يوسف العديد من النصوص للسينما، لكن بصمته الحقيقية كانت في الدراما التلفزيونية، من رواياته البارزة “رسالة إلى فاطمة”، “الغفران – فتاة القمر”، و”عتبة الألم”، قدم يوسف العديد من الأعمال التي استندت إلى قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة. أعماله مثل “شجرة النارنج”، “أسرار المدينة”، و”نساء صغيرات” أثبتت قدرته على إضاءة واقع المجتمع السوري ومشاكله الاجتماعية بطرق فنية بديعة.
وكان يوسف مهتماً بشكل خاص بقضايا فلسطين، وقد تجلى ذلك في جميع أعماله، فكان يصف قضايا الفلسطينيين بصدق لا مثيل له. حتى في سطوره الأخيرة، كانت فلسطين حاضرة في كتاباته، وجاءت كنوع من الامتحان لإنسانيتنا، كان لديه شعور عميق بأن فلسطين جزء من كل قصة إنسانية، ولم يكن يترك مجالاً للتجرد عن هذه القضية.
الأعمال الأدبية والتحولات
في مجال الرواية، ترك حسن سامي يوسف بصمة لا تنسى بأعماله السبع، حيث كانت رواياته مثل “الفلسطيني” و”بوابة الجنة” تروي قصصاً تعكس عمق معاناة الفلسطينيين وآمالهم، وقد حول بعض رواياته إلى مسلسلات تلفزيونية، مما أضاف بعداً جديداً لأعماله الأدبية، وجعلها أكثر قرباً لجمهور واسع.
الإرث والفن
حافظ حسن سامي يوسف على سمته الأخلاقي في جميع أعماله، مُصرّاً على أن يكون الفن وسيلة لإيقاظ الإنسان على إنسانيته. كتب يوسف بدقة واهتمام، مُركزاً على تسليط الضوء على هموم الإنسان السوري وصراعاته، ما جعله واحداً من أهم كتاب الدراما في تاريخ سوريا. لقد استطاع من خلال أعماله أن يُسهم في تشكيل الوعي الاجتماعي والإنساني، ويُبقي صوته مسموعاً في قلوب متابعيه، حتى بعد رحيله.
توفي حسن سامي يوسف، لكن إرثه الأدبي والفني سيبقى حياً، يروي قصصاً عن فلسطين وواقع الإنسان، ويعزز القيم الإنسانية التي ظل مدافعاً عنها طوال حياته.