صدى الشعب – كتب مؤيد العبيدالله
عند الحديث عن إعادة إعمار سوريا واستئناف العلاقات التجارية بين الجارتين، تتبادر إلى الأذهان صور الشاحنات الممتدة على طول طريق جابر – عمان، في طوابير خانقة لا تليق بموقع الأردن كممر عبور إقليمي، ولا بكرامة سائق قضى ليلتين في شاحنته ينتظر الدخول إلى ساحته الجمركية.
في هذا المشهد، لا يبدو أن “الهدوء في سوريا” و”الاستعداد الأردني للانفتاح الاقتصادي” قد ترجما إلى إجراءات واقعية، بل على العكس تمامًا، يبدو أن شريانًا حيويًا مثل جمرك الرمثا – وهو معبر تاريخي عاصر أزمنة الحرب والسلم – لا يزال مغلقًا بلا مبرر فعلي، في وقت يتضاعف فيه الضغط على معبر جابر، ويتآكل معه الصبر والربح والفرصة.
● أزمة جابر ليست طارئة… بل نتيجة
ليست هذه هي المرة الأولى التي يختنق فيها مركز حدود جابر، لكن ما يجري اليوم يخرج عن نطاق المعقول، طوابير شاحنات تتجاوز 10 كيلومترات، وبضائع معرضة للتلف، وتعطّل مصالح مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الانسيابية في الحركة لتأمين التزاماتها في أسواق لبنان وسوريا والخليج.
الجمرك اليوم لا يعاني فقط من “ازدحام”؛ بل من غياب البدائل، وهنا نطرح السؤال البسيط الذي لا يريد أحد أن يطرحه بصوت عالٍ: لماذا لا يُفتح جمرك الرمثا؟
● جمرك الرمثا: أكثر من مجرد معبر
الرأي العام حين يسمع “جمرك الرمثا”، يتخيله معبراً صغيراً في مدينة حدودية، لكن من يعرف الجغرافيا التجارية، يعلم أن هذا الجمرك كان ذات يوم أحد أهم بوابات التجارة نحو دمشق، بل نقطة ارتكاز في شبكة المواصلات بين الخليج وسوريا وتركيا وأوروبا.
إغلاق الجمرك بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011 كان مفهوماً ضمن إطار الضرورات الأمنية، لكن استمرار إغلاقه حتى بعد تحسّن الظروف وعودة التنسيق السياسي والأمني، يثير تساؤلات لا إجابات عنها.
إعادة فتحه ليست رفاهية، بل ضرورة لوجستية واقتصادية. فهي ستعيد توزيع الضغط، وتُسرّع حركة الشحن، وتعيد الحياة لمدينة الرمثا التي دفعت كلفة الحرب في سوريا مرتين: مرة بإغلاق الحدود، ومرة بغياب التعويض.
● الرمثا على الهامش… والفرصة تنتظر القرار
يؤكد عدد من تجار المدينة أن فتح الجمرك لم يعد خياراً مؤجلاً، بل ضرورة اقتصادية عاجلة، ويستذكر أمجد العبيدالله، أحد أقدم التجار وعضو سابق في غرفة تجارة الرمثا، كيف كان الجمرك في سنوات ازدهاره يخلق دورة حياة كاملة: الشاحنات تمر، الورش تعمل، المطاعم تفتح حتى الفجر، والمدينة بأكملها تنتعش.
بالنسبة له، إغلاق الجمرك لم يوقف التجارة فحسب، بل عطّل المدينة، العبيدالله يقرأ المسألة ببعدها الكامل: ليس فقط تخفيفاً عن مركز جابر، بل أيضاً إعادة إحياء لاقتصاد شمالي بات محاصراً بالجمود، وفرص ضائعة.
ويذهب أبعد من ذلك حين يشير إلى أن الجمرك يمثل نوعاً من “الاستحقاق” لأهالي الرمثا، الذين صبروا وتحملوا تراجع النشاط التجاري لعقد من الزمن دون دعم يوازي حجم الضرر.
● هل نخشى النجاح؟
ثمة ما يشبه التردد في اتخاذ القرار، كأن هناك من يخشى من أن ينجح فتح جمرك الرمثا في تخفيف الضغط وإثبات جدواه، وبالتالي فضح سنوات من الجمود الإداري، من المؤلم أن تُترك الحلول الممكنة حبيسة الأدراج، في وقت يعاني فيه السائق الأردني والمصدّر الأردني والاقتصاد الأردني من غياب هذه الإرادة.
والسؤال: إن لم يكن الآن، فمتى؟ هل ننتظر أن تختنق جابر أكثر؟ أم أن تنقطع سلاسل التوريد مجددًا بسبب حادث أو خلل أمني؟
في عالم تُقاس فيه الدول بقدرتها على اتخاذ القرار في التوقيت المناسب، تبدو مسألة فتح جمرك الرمثا اختبارًا بسيطًا لجدية الأردن في إدارة المرحلة القادمة.
● الرمثا لا تطلب منّة… بل استحقاقًا
أهالي الرمثا لم يطالبوا يومًا بما ليس لهم، المدينة التي كانت المحطة الطبيعية لكل ما يعبر نحو الشمال، دفعت الثمن بصمت طيلة سنوات الأزمة، اليوم، حين تهدأ الأمور، يصبح من غير المنطقي أن تبقى مغلقة في وجه الحركة والتجارة والفرص.
فتح جمرك الرمثا ليس ترفاً سياسياً، ولا خطوة رمزية، هو ضرورة اقتصادية عاجلة، وخطوة عملية لتفكيك الأزمة في جابر، ورسالة بأننا نملك أدوات الحل، إن أردنا..