المصري لـ”صدى الشعب”: هدر الغذاء خلل هيكلي يمس منظومة الأمن الغذائي
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
بين وفرة الطعام على الموائد، وتزايد القلق على مستقبل الأمن الغذائي، تكشف أرقام وطنية حديثة عن حجم مقلق لهدر الغذاء، في مشهد يعكس اختلالًا عميقًا في إدارة الإنتاج والاستهلاك على حد سواء.
فالهدر، الذي لم يعد يُنظر إليه كسلوك فردي أو موسمي، بات مؤشرًا على تحدٍّ هيكلي يمس كفاءة استخدام الموارد المحدودة، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة المنظومة الغذائية على الاستجابة للضغوط الاقتصادية والبيئية المتزايدة.
وتفتح هذه الأرقام الباب أمام نقاش أوسع حول أسباب تصدّر القطاع المنزلي لمعدلات الهدر، وتأثير ذلك على كلفة الغذاء والاعتماد على الاستيراد، إلى جانب الأعباء غير المرئية التي يتحملها الاقتصاد الوطني نتيجة هدر المياه والطاقة والأراضي الزراعية.
وأظهرت نتائج دراسات حول كميات هدر الغذاء أن القطاع المنزلي يعد الأكبر من حيث كميات الهدر، حيث أجريت على القطاع الأسري أن معدل هدر الغذاء السنوي للفرد في الأردن يبلغ نحو 81.3 كيلوغراما، مع تسجيل أعلى المعدلات في محافظة الزرقاء وأدناها في محافظة عجلون.
وأرجعت الدراسة أسباب الهدر إلى سوء التخطيط وإدارة المشتريات، وعدم القدرة على إعادة التدوير، إلى جانب سلوك الزبائن والموظفين، فيما جاءت محافظات عمان وإربد والزرقاء في المراتب الأولى من حيث حجم الهدر، بما يتناسب مع كثافة انتشار المطاعم فيها.
سوء إدارة الإنتاج والاستهلاك وراء تفاقم الهدر
في هذا السياق، قال وزير الزراعة السابق سعيد المصري إن الأرقام الرسمية التي كُشف عنها مؤخرًا حول هدر الغذاء في الأردن تعكس خللًا هيكليًا في منظومة الأمن الغذائي، ولا يمكن التعامل معها على أنها ظاهرة عابرة أو موسمية، مشيرًا إلى أن هذا الهدر يشكّل تحديًا استراتيجيًا يمس كفاءة استخدام الموارد المحدودة في المملكة.
وأوضح المصري خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن هدر الغذاء ناتج عن شقّين متلازمين، يتمثل الأول في فوضى الإنتاج الزراعي وسوء إدارة عمليات التخزين والحفظ، فيما يتمثل الشق الثاني في ضعف إدارة الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى اختلال التوازن بين الإنتاج والطلب، ويزيد من حجم الفاقد الغذائي.
وبيّن أن القطاع المنزلي يُعد الأعلى من حيث نسب هدر الغذاء، مرجعًا ذلك إلى أنماط استهلاك مبالغ فيها، لا سيما في الولائم والمناسبات الاجتماعية، حيث يتم تجهيز كميات من الطعام تفوق الحاجة الفعلية للحضور، مؤكدًا أن هذه الممارسات تعكس فجوة في الوعي الغذائي وفي إدارة الطلب، أكثر مما تعكس وفرة حقيقية في الغذاء.
وأشار إلى أن هدر الغذاء ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على كلفة الغذاء في الأردن، إذ يسهم في زيادة الضغط على الاستيراد، إلى جانب هدر كميات كبيرة من المياه والطاقة والأراضي الزراعية، ما يضعف قدرة المملكة على تعزيز أمنها الغذائي في ظل شح الموارد الطبيعية.
ولفت إلى أن المشكلة لا تكمن في نقص الدراسات أو التشريعات، بقدر ما ترتبط بغياب تنظيم الإنتاج الزراعي وضعف تطبيق السياسات القائمة، إلى جانب السلوك المجتمعي المرتبط بالاستهلاك، مشددًا على أن الإصلاح يجب أن يبدأ بتنظيم الإنتاج الزراعي وربطه بالطلب الفعلي في السوق، بالتوازي مع تعزيز الوعي الاستهلاكي لدى المواطنين.
وأكد ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة للحد من هدر الغذاء، تشمل تنظيم الإنتاج الزراعي وتحديد سقوف إنتاج مرتبطة بالطلب دون وجود فوائض إنتاج عالية، إضافة إلى تحسين أنظمة التخزين والحفظ والنقل، ودعم مبادرات جمع فائض الولائم وإعادة توزيعه، والتي بدأ أداؤها يتحسن مؤخرًا.
كما دعا إلى إطلاق حملات توعية ذكية لا تفرض أعباء مالية على المواطنين، بل تسهم في تغيير السلوك الاستهلاكي وتعزيز ثقافة إدارة الغذاء بشكل أكثر كفاءة.
وحذّر من مخاطر عدم ترجمة الدراسات المتعلقة بهدر الغذاء إلى برامج وطنية ملزمة، مبينًا أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تفاقم الهدر، وزيادة الاعتماد على الاستيراد، واستنزاف الموارد الطبيعية، بما يضعف الأمن الغذائي الأردني خلال السنوات المقبلة.
وقال إن هدر الغذاء لا يُعد مسألة أخلاقية فقط، بل قضية إدارة وطنية تمس استدامة الموارد وقدرة الدولة على حماية أمنها الغذائي.
