صدى الشعب _بقلم جهاد الفار .
الشباب الأردني اليوم يعيش حالة حصار حقيقية داخل وطنه، حصار في الرزق، وحصار في الفرص، وحصار في الحلم نفسه. لم يعد الشاب يحلم بالثراء ولا حتى بالاستقرار الكبير، بل تقلّص الحلم إلى راتب بالكاد يكفي الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة. رواتب تُستنزف قبل منتصف الشهر، وإيجارات تلتهم الأمل، وأسعار تلاحق الناس في كل تفصيل. وفي مشهدٍ موجع، تعلن الحكومة طلبها من روسيا عدم تجنيد الأردنيين، بينما الواقع المؤلم يقول إن بعض شبابنا لم يصلوا إلى هذا الخيار إلا من شدة الضيق، وقلة الفرص، وانسداد الأفق، حتى أصبح البحث عن القتال كمرتزقة عند بعضهم أهون من الجلوس بلا عمل، أو براتب لا يكفي حياة إنسان. آخرون اتجهوا للهجرة إلى بلدان بعيدة لمجرد أن باب التأشيرة فُتح، وكأن الوطن لم يعد قادرًا على احتوائهم.
وفي الوقت ذاته، تُخاطَب فئة الشباب بشعارات كبيرة عن الاستثمار والأسواق المالية، بينما الواقع القاسي يقول إن طموحهم أبسط من ذلك بكثير: وظيفة مستقرة، وراتب عادل، وحياة بلا خوف من الغد. العنوسة في ارتفاع، والزواج بات عبئًا ثقيلًا لا يقدر عليه معظم الشباب، وامتلاك بيت حلم مؤجَّل بلا سقف زمني، والسيارة رفاهية بعيدة، وحتى الاستقرار النفسي لم يعد مضمونًا.
الخيارات أمام الشاب أصبحت محدودة وقاسية: إما أن يدخل دوامة القروض ويرهن سنوات عمره للبنك، أو يغرق في الديون ليغطي أبسط احتياجاته، أو يهاجر في طريق لا يعرف إن كان له فيه عودة، أو أن يبحث عن أي طريق خطر في الخارج هربًا من العجز في الداخل. وفي كل الحالات، يدفع ثمنًا باهظًا من عمره وطاقته وأحلامه.
الشباب يشعرون أنهم مثقلون بالالتزامات، محاصرون بالغلاء، ومطالبون بالصبر إلى ما لا نهاية، بينما أعمارهم تمضي، وأيامهم تُستهلك في الانتظار. من يتكلم يُساء فهمه، ومن يعبّر عن وجعه يُتَّهَم بالمبالغة، وكأن المطلوب من الشباب أن يتحمّلوا كل شيء بصمت، وأن يبتلعوا الألم دون مسكن.
رسالة إلى من بيده القرار: ارحموا هذا الجيل قبل أن يفقد ما تبقّى من أمل. افتحوا له باب العمل الحقيقي براتب يحفظ كرامته، بدل أن تدفعوه إلى القروض أو الديون أو الهجرة أو المخاطرة بحياته في ساحات لا تشبهه ولا تشبه وطنه. خففوا الأعباء التي أنهكت الناس، واجعلوا الشباب في صدارة الأولويات لا في آخرها. فالشباب في الأردن وصلوا إلى مرحلة لم يعد فيها الطريق واضحًا، وإذا استمر هذا الشعور بالضياع، فإن الخسارة لن تكون خسارة أفراد فقط، بل خسارة وطن.






