مع قرب صدور تقرير ديوان المحاسبة مصير التوصيات بين الواقع والقانون
صدى الشعب – راكان الخريشا
مع اقتراب موعد الكشف عن التقرير السنوي الجديد لديوان المحاسبة، تعود إلى الواجهة بقوة الأسئلة المرتبطة بمدى التعامل الجاد مع ما يتضمنه من ملاحظات وتوصيات، في مشهد يتكرر كل عام ويعكس حجم الترقب الشعبي لإجراءات تصويب حقيقية ط، فالديوان الذي يشكّل الذراع الرقابية الأقدم في الدولة، يواصل رصد الاختلالات والتجاوزات المالية والإدارية عبر مختلف المؤسسات، غير أن محصلة هذه الجهود تبقى خاضعة لقدرة الجهات المعنية على تحويل التوصيات إلى مسار إصلاحي ملموس، يقطع الطريق على تكرار المخالفات ويعزز الثقة العامة بمنظومة الرقابة.
ويتطلع مراقبون إلى أن يشكّل عرض التقرير المرتقب أمام مجلس الأمة، فرصة لتفعيل الرقابة الدستورية على الأداء الحكومي من خلال نقاش عميق ومسؤول، يقود إلى قرارات قابلة للتنفيذ، لا أن يظل الحدث محصورا في إطار بروتوكولي ينتهي بانتهاء جلسات النقاش، إذ يرى خبراء في الحوكمة والإدارة العامة أن قيمة التقرير تكمن في آثاره العملية، وفي قدرة المؤسسات على الالتزام بالتصويب والمساءلة، بما يضمن حضوراً أقوى لدور الرقابة في حماية المال العام.
وفي هذا السياق قالت المحامية المختصة، الدكتورة نور الحديد، إن توصيات ديوان المحاسبة الصادرة استنادًا إلى أحكام قانون ديوان المحاسبة رقم (28) لسنة 1952 وتعديلاته تُعد ملزمة للجهات الخاضعة لرقابته من حيث وجوب التعاون مع الديوان والرد على استيضاحاته خلال المدد القانونية، غير أنها لا تكتسب بذاتها صفة القرارات التنفيذية التي ترتب آثارًا مباشرة ما لم يصدر بشأنها قرار إداري أو حكومي يقضي بتنفيذها وفق الأصول الإدارية.
وأضافت الحديد أن المسؤولية الشخصية تقع على المسؤول الإداري الذي يثبت تقصيره في تنفيذ التوصيات أو تصويب المخالفات، بينما تتحمل الجهة الإدارية المسؤولية المؤسسية في حال امتناعها عن اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة رغم وجود ملاحظات رقابية واضحة.
وأشارت الحديد إلى أنه وعلى الرغم من وجود إطار قانوني عام للمساءلة، إلا أن الواقع العملي يكشف عن ضرورة تطوير تشريعات تمنح توصيات الديوان قوة تنفيذية وجزاءات محددة لضمان عدم تكرار المخالفات وتعزيز حماية المال العام.
وبيّنت الحديد أن الدستور الأردني كفل استقلال ديوان المحاسبة ووجوب تقديمه تقريرًا سنويًا يتضمن المخالفات والمسؤوليات المترتبة عليها إلى مجلس الأمة، ما يجعل من تقاريره وثيقة رقابية عليا يفترض أن تترجم إلى إجراءات تنفيذية تعالج مكامن الخلل.
وأوضحت الحديد أن قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم (13) لسنة 2016 يجرّم أي فعل أو امتناع يؤدي إلى هدر المال العام أو إساءة استعمال السلطة، ويجيز مساءلة الموظفين العموميين تأديبيًا أو جزائيًا، كما يجرّم قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 أفعال الاختلاس والغش واستثمار الوظيفة الناتجة عن سوء الإدارة أو استغلال المنصب، ما يشكل مظلة قانونية تحاسب كل من يكرر المخالفات أو يتقاعس عن تصويبها.
وأكدت الحديد أن هذه الأحكام مجتمعة تمثل أساسًا مهمًا للمساءلة في المنظومة القانونية الأردنية، غير أن الحاجة ما تزال قائمة لإصلاحات تشريعية تمنح توصيات ديوان المحاسبة قوة إلزامية وجزاءات واضحة، بما يضمن تعزيز الحوكمة الرشيدة وصون المال العام من أي تجاوزات مستقبلية.
