كتب. بشار الجرار
حفلت الزيارة الملكية إلى أمريكا، وما سبقها ورافقها من حراك دبلوماسي مكثف في الشرق الأوسط، حفلت برسائل سياسية ذات دلالة، تناولت جانبا منها في مقالتين نشرتا في «الدستور» و «سي إن إن».
كأي حدث بارز، تتوالى النتائج بما تسمح به طبيعة الجهد السياسي والدبلوماسي، المبذول والمنشود.
إنها ثالث قمة يعقدها جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس جو بايدنفي عامين. كما أن الحراك الأمريكي الذي شهدته المنطقة في عشرة أيام، كان غير مسبوق منذ عقود.
أربعة من أركان إدارة الرئيس جو بايدن التقوا الفلسطينيين والإسرائيليين قبل جولة سيدنا التي شملت قطر وكندا وقمة واشنطن: زيارة وليام بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي (يرافقه منسق الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت مغكيرك)، وأخيرا زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الذي حرص على لقاء جلالة الملك فور عودته إلى واشنطن.
الخلاصةالأولية للزيارة الملكية والمحادثات والحراك الدبلوماسي، أتت في تغريدة الرئيس بايدن عقب القمة في البيت الأبيض- إنه «ليس بالإمكان أيفاء الأردن حقّه كقوة استقرار للشرق الأوسط»، معربا عن «تطلّعه إلى البناء على ما تحقق من صداقة الشعبين -العصية على التحديات- لسنين قادمة».
تابعت تفاعل بعض الأوساط الصحفية والبحثية -هنا في واشنطن- خلال تلك الأيام العشرة، فتجلّت ثلاث حقائق عصية على «منطق ومنطقةاللف والدوران» أو ما يعرف في الصحافة الأمريكية «سبين زون»! حقائق تعجز بعض الأوساط عن الإقرار بها لهوى أو أغراض سياسية، عقائدية وأحيانا شخصية بحتة.
أولى هذه الحقائق: احترام وحرص الدولة العميقة في أمريكا ومؤسساتها السيادية وقياداتها السياسية من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، احترامهم لقيادتنا الهاشمية وشخص سيدنا، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وحرصهم على علاقة شراكة حقيقية مع الأردن، لا تقتصر على الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية.
الحقيقة الثانية، تميّز الأردن في المصداقية والموثوقية كشريك وكحليف وكصديق.. تلك ميزتان غابتا عن حلفاء استراتيجيين آخرين في الشرق الأوسط وخارجه، بمن فيهم أعضاء في الناتو. وحتى لا يؤخذ كلامي خارج سياقه فينتقص من قدر أي كان، أضيف بأن سر التميّز هو في ثبات واتزان واعتدال الدبلوماسية الأردنية بقيادتها الهاشمية
أما الحقيقة الثالثة، وهي الأهم والأصعب فهما على بعض أصدقاء الأردن أو جيرانه، فهي أن رصيد الأردن وأمريكا من الشراكة يسمح بقبول الاختلاف واحترامه، بصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض أو بأي حزب يظفر برئاسة مجلس النواب أو مجلس الشيوخ. من محطات الاختلاف كانت عدم الانضمام للتحالف الدولي ضد العراق، و»صفقة القرن».
دون الخوض في التفاصيل، لم يتغير الالتزام الأمريكي بدعم الأردن. مراجعة سريعة لحجم المساعدات والتصريحات الصادرة عن الحزبين خاصة في اللجان ذات العلاقة كلجان القوات المسلحة والخارجية والمخصصات المالية، جميعها تشير إلى اضطراد المساعدات وتعميق التعاون الثنائي، وطنيا وإقليميا على مستوى الشرق الأوسط، وأحيانا في ساحات دولية أخرى ذات اهتمام مشترك.
بعد هذه الحقائق ثمة «إشارات» ثلاث اخترت التوقف عندها قد تثير اهتمام المعنيين بالاشتباك الإعلامي والأكاديمي «الإيجابي» مع الآخر: الأولى صدرت -باللغة العبرية- عن أكاديمي وإعلامي إسرائيلي يتساءل عن «سر خوف أو صمت» الإسرائيليين عندما يتعلق الأمر ب «الأردن».. الإشارة الثانية، صدرت بالإنجليزية في مقابلة أجرتها هآرتس، عن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، اللواء المتقاعد تامير هايمان، أعلن فيها أن «الخطر الأكبر» الذي يهدد إسرائيل الآن ليس إيران وإنما «خسارة أمريكا» بمعنى فقدان أمريكا كحليف لإسرائيل،وقد صار موضوعا رئيسيا في الصحافة والأكاديمياالإسرائيلية إثر ارتفاع وتيرة الانتقادات (اليسار الأمريكي والإسرائيلي) لمساعي رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو إجراء «تغييرات غير مسبوقة» تستهدف السلطة القضائية الآن و»السلطة الرابعة»، الإعلام لاحقا.
أما الإشارة الثالثة، فهي كلمة واحدة وردت في مقال تحليلي لدبلوماسي أميركي مخضرم نشرته إحدى دور الفكر والبحث المرموقة في واشنطن جاء فيها أن «الأغلبية» في الأردن، من «أصول فلسطينية». قارنت النصين العربي والإنجليزي علّها تكون «غلطة» مترجم، ليتضح أنها المغالطة عينها التي يصر عليها بعض المغرضين لخدمة أجندة ساقطة شعبيا ورسميا.. و»للحديث بقية» كما يقال، ربما في مقالات ترصدبعضا من كل «شاردة وواردة» قد يكون من الواجب التصدي لها.