اقتصاديّا.. عام لا ينسى

 

لا يمكن أن نعتبر سنة 2020 صعبة فقط، هي سنة استثنائيّة بِكُلّ المقاييس والمعايير الاقتصاديّة، ولا هي سنة نادرة بأحداثها وتحدياتها، فليس من السهولة أن تغلق الاقتصاد كاملاً لمدة تتجاوز الشهرين، وتتحمّل أعباء جديدة لم تكن أبداً في الحسبان أو الفرضيات.
أول شهرين من العام كانا يحملان بعض مؤشرات التفاؤل الاقتصاديّ خاصة مع نموّ الصادرات الوطنيّة بنسبة 17 بالمائة، لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بظهور الجائحة منتصف شهر آذار وبدء سريان أوامر الإغلاق والحظر.
تداعيات الحظر والإغلاق كانت وخيمة اقتصاديّاً على القطاعين العام والخاص، فالخزينة تراجعت تحضيراتها الضريبيّة وغير الضريبيّة بشكل كبير، والأخيرة استمرت في الهبوط لدرجة أنها ضاعفت العجز الماليّ الذي تجاوز الـ2.2 مليار دينار، مما دفع الحكومة للجوء للاقتراض الداخليّ بقيمة ما يقارب الـ1.3 مليار دينار، فقد تعهدت بدفع كامل التزاماتها الماليّة سواء الداخليّة والخارجيّة، مما تسبب في زيادة أعبائها الماليّة، ومع اقتراب سداد أول سندات يورو بوند كانت قد حصلت عليها الخزينة في العام 2010 بقيمة 1.2 مليار دولار، لجأت الحكومة إلى طرح سندات يورو بوند بقمة 1.75 مليار دولار لتلبية أيّ عمليات تمويليّة داخليّة أو خارجيّة طارئة، وهو ما حدث فعلاً.
داخليّاً زاد الإنفاق الصحي وكانت طلبات القطاع مستجابة فوراً بغض النظر عن المبالغ المطلوبة، وتم دفع الرواتب كاملة حتى شهر أيار، فقد اتخذ القرار بايقاف العلاوات للمدنيين والعسكريين التي كانت قد بدأ سريانها في بداية العام.
خارجيّاً سددت الحكومة التزاماتها بشكل كامل ودفعت أكبر قرض مستحق عليها دفعة واحدة بقيمة 1.2 مليار دولار، وكانت قبل ذلك أنجزت خطوة كبيرة مع صندوق النقد الدوليّ بإبرام اتفاق تصحيحي جديد لمدة أربع سنوات.
القطاع الخاص تعرض لأسوأ مرحلة إغلاقية في تاريخه، فالإغلاق الشامل عطل أعماله وأنشطته المختلفة، بالمقابل تحمّل مسؤولياته الوطنيّة بامتياز، وأمن البلاد والعباد بكل احتياجاتهم من السلع والخدمات المختلفة وبجودة عالية وبأسعار منافسة جدا خاصة في قطاعات المنتجات الغذائية والدوائية والكيماوية من معقمات وكمامات ومستلزمات طبية، بالمقابل التزم التزاما كاملا بعدم تسريح العمالة لديه وحافظ عليها وتحمّل الكثير من الأعباء الماليّة الجسيمة التي أدخلت الكثير منه في نفق الخسائر، فلم يسلم أي قطاع تقريبا من موجة الهبوط التي تفاوتت من قطاع لآخر.
على الصعيد الاجتماعيّ تعطلت أعمال أكثر من 400 ألف عامل في قطاع المساومة، وباتت الغالبية العظمى منهم بلا عمل نتيجة قرارات الحظر الكلي والجزئي، مما ضاعف من أنشطة صندوق المعونة الوطنيّة التي تضاعفت مخصصاته بشكل غير استثنائي في هذه الفترة، حيث تم إيصال الدعم النقدي بقيمة لا تتجاوز الـ250 دينارا للأسرة لمدد مختلفة حسب الحالة.
ولا ينسى أحد إشهار صندوق همة وطن الذي استطاعت الأيدي الخيرية من الأعمال والشركات أن تقدم له ما يقارب الـ100 مليون دينار، ساهمت بشكل مباشر في دعم العمل الاجتماعيّ والتطوعي كان له الأثر البالغ في تخفيف الأعباء على الكثير من أسر المجتمع.
تداعيات أزمة كورونا الاقتصاديّة لن تنحصر في العام 2020 كما يعتقد البعض، فبعض الآثار عميقة جدا في هيكل الاقتصاد ولا يمكن تجاوزها بالشكل التقليدي في السياسات التقاعدية المتبعة، فالأمر بحاجة إلى تفكير خارج الصندوق وتضافر ومشاركة الجميع.

أخبار أخرى