قبيلات لـ(صدى الشعب): دمج التدريب المهني بالتربية قد يحد من فرص فئات شبابية
التكامل أفضل من الدمج الكامل
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
يشهد ملف دمج مؤسسة التدريب المهني بوزارة التربية والتعليم وتنمية الموارد البشرية نقاشًا واسعًا في الأوساط التربوية والإدارية، مع تباين وجهات النظر حول مدى قدرة هذا التوجه على تحقيق التكامل بين التعليم والتدريب، ضمن رؤية التحديث الإداري الشامل التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها.
ويأتي هذا المقترح في إطار خطة أوسع لإعادة هيكلة المؤسسات التعليمية والتدريبية، بما يشمل توحيد المرجعيات ودمج المهام المتقاربة في طبيعتها، بعد أن طُرحت فكرة تحويل بعض معاهد التدريب إلى مدارس مهنية، تمهيدًا لمرحلة لاحقة تشمل دمجًا مؤسسيًا أعمق.
ومع ما يحمله هذا التوجه من فرص لتوحيد السياسات التعليمية وتطوير مسارات المهارات، يبرز في المقابل تساؤل جوهري هل سينجح الدمج في بناء منظومة تعليمية متكاملة، أم سيُحدث إرباكًا إداريًا قد يفقد مؤسسة التدريب المهني خصوصيتها التطبيقية.
الحاجة لتشريعات جديدة لضمان عدالة الالتحاق ببرامج التدريب المهني
وفي هذا الإطار، أكدت الأمين العام الأسبق لوزارة التربية والتعليم، الدكتورة نجوى قبيلات، أن مقترح دمج مؤسسة التدريب المهني بوزارة التربية والتعليم وتنمية الموارد البشرية يشكّل نقطة تحول في الإدارة العامة الأردنية، لما يحمله من توجه لتوحيد الجهود والمهام المرتبطة بإعداد وتأهيل الأفراد ضمن رؤية شاملة للتحديث الإداري.
وقالت قبيلات خلال حديثها لـ (صدى الشعب)إن إنشاء وزارة جديدة تحت مسمى “وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية” يتطلب أن تضم كل ما له علاقة بإعداد وتأهيل الفرد، لتتولى مهام وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي، إضافة إلى هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، وهيئة تطوير المهارات، ومؤسسة التدريب المهني.
وأضافت أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في تنسيق الجهود الوطنية وتوحيدها ضمن مسارات كبيرة متكاملة، مشيرة في الوقت ذاته إلى ضرورة ألا يقتصر الدمج على المؤسسات التعليمية والتدريبية فقط، بل أن يشمل أيضاً الهيئات التي تتشابه في طبيعة عملها مع وزارات أخرى، بهدف تحقيق التكامل الإداري والمؤسسي الشامل.
وفيما يتعلق بدمج مؤسسة التدريب المهني بوزارة التربية، أوضحت قبيلات أن هذا الدمج قد يسهم في تقريب التعليم العام من التدريب المهني، وخلق رؤية شاملة لمسارات التعلم والمهارات، إلا أنه يتطلب إصدار تشريعات جديدة تضمن قانونية التحاق الفئات المستهدفة سابقًا من قبل مؤسسة التدريب المهني في برامجها التدريبية.
وبيّنت أن الدمج، إذا كان يهدف إلى توسيع قاعدة التعليم المهني، فقد يؤدي إلى حرمان فئات من الشباب كانت خارج نطاق التعليم وتستفيد من برامج المؤسسة، مشيرة إلى أن البرامج التي تقدمها المؤسسة أوسع من تلك المقدمة ضمن التعليم المهني المدرسي، لا سيما في بعض المهن التي يحتاجها سوق العمل الأردني.
المحافظة على البعد العملي في التدريب المهني
وأعربت عن خشيتها من أن يؤدي الدمج إلى فقدان الجانب التطبيقي المتميز للتدريب المهني، في حال لم تُصمم تشريعات واضحة تحافظ على هذا البعد العملي، رغم ما قد يتيحه الدمج من توحيد للسياسات التعليمية وتطوير لمسارات التعليم المهني.
وأضافت أنه من الممكن إيجاد تشريعات تتيح لمؤسسة التدريب المهني الاستمرار في تنفيذ برامجها الموازية لبرامج التعليم المهني، مع الحفاظ على جودة التدريب ومعايير المهارة، وبما يضمن التحاق الفئات غير المنخرطة في التعليم العام بهذه البرامج.
وحول الفروق الجوهرية بين التعليم المهني المدرسي والتدريب المهني التطبيقي، أوضحت قبيلات أن التعليم المهني في المدارس يركز على الجوانب النظرية والتقنية مع دمج بعض الأنشطة العملية، ويستهدف الطلبة من الصف العاشر الأساسي حتى الثاني عشر.
وأضافت أن التدريب المهني التطبيقي يركز على اكتساب مهارات عملية مباشرة وفق معايير سوق العمل، ويستهدف غالباً فئة المتدربين بعد المرحلة المدرسية أو أولئك الذين لم يتمكنوا من إتمام التعليم الأساسي، ويقدّم برامج قصيرة المدى ومتخصصة في مجالات عملية متنوعة.
(يجب ألا يُحرم الشباب خارج التعليم من فرص التدريب المهني)
وحذّرت قبيلات من مخاطر تربوية وإدارية قد تترتب على نقل ارتباط مؤسسة التدريب المهني إلى وزارة التربية دون تعديل التشريعات، مبينة أن عدم مراجعة قانون التربية والتعليم وتعديله قد يؤدي إلى حرمان فئات من المجتمع من الاستفادة من برامج التدريب المهني، إضافة إلى إضعاف مرونة المؤسسة في تصميم برامجها التدريبية وفق متطلبات السوق، وتقليص الجانب العملي لصالح المناهج النظرية.
وأكدت ضرورة تنسيق الجهود بين مساري التعليم والتدريب المهني لتحقيق التكامل دون دمج مؤسسي كامل، من خلال توحيد البرامج والفئات المستهدفة، وتعزيز الشراكات بين المدارس المهنية ومراكز التدريب لتبادل الخبرات والمرافق التعليمية والتدريبية.
ودعت قبيلات إلى الاستفادة من النماذج الدولية التي يمكن أن يسترشد بها الأردن، مع مراعاة خصوصية البيئة المحلية، مشيرة إلى أن من أبرز النماذج الناجحة النموذج الألماني، الذي يجمع بين التعليم المدرسي والتدريب العملي في الشركات، إلى جانب وجود مؤسسات تدريب مهني مستقلة عن المدارس المهنية، تستهدف البالغين والباحثين عن تطوير مهاراتهم أو إعادة التأهيل المهني.
وأكدت أن نجاح عملية الدمج أو التكامل يعتمد على وضوح التشريعات، وضمان استمرارية برامج التدريب التي تلبي احتياجات سوق العمل، وتوفير بيئة مرنة تراعي متطلبات الفئات المستفيدة كافة.






