القطاع العام يحتاج سنوياً بين 7و8 آلاف وظيفة
الإعلان المفتوح يرفع كفاءة القطاع العام ويوفر فرصاً عادلة للشباب المجتهد
7700 وظيفة حكومية لهذا العام أنجز منها 70% حتى نهاية آب
صدى الشعب – راكان الخريشا
في إطار جهود المملكة الأردنية الهاشمية لتحديث القطاع العام وتعزيز كفاءته، أطلقت هيئة الخدمة والإدارة العامة مسارًا إصلاحيًا نوعيًا لتطوير منظومة إدارة الموارد البشرية، وتحقيق العدالة والكفاءة في التعيينات، وضمان التوزيع الجغرافي العادل للوظائف، وصقل القيادات المستقبلية، وفي لقاءٍ خاص لصدى الشعب، كشف رئيس هيئة الخدمة والادارة العامة المهندس فايز النهار، عن أبرز المحطات التي مرّت بها الهيئة منذ تأسيسها، والخطط المستقبلية لتعزيز الأداء المؤسسي، وتطبيق فلسفة الإعلان المفتوح كأساس لاختيار الكفاءات، بالإضافة إلى دور الهيئة في تمكين الدوائر الحكومية وتطبيق السياسات بشكل عادل وشفاف.
فصل جديد في إدارة الموارد البشرية بالقطاع العام
في مستهل حديثه قال النهار إن في عام 2021، ومع دخول المملكة الأردنية الهاشمية إلى المئوية الثانية، أطلق جلالة الملك مسارات إصلاحية سياسية واقتصادية، هذان الإصلاحان أكدا على أن مسار الإصلاح الإداري يجب أن يتزامن مع المسارين الآخرين، ويُعتبر متطلبًا أساسيًا لإنجاحهما، لذلك جاءت خارطة تحديث القطاع العام، والتي تم اعتمادها بشكل رسمي في شهر آب عام 2022.
واضاف النهار أحد ما تضمنته الخارطة هو التحول الجذري في منظومة إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، وتحديد جهة حاضنة مؤسسية لملف التطوير، وجاءت الخارطة بشكل صريح وواضح بأن هذه الجهة هي هيئة الخدمة والإدارة العامة، وبدأت مرحلة التأسيس وصدر أول نظام لتأسيس الهيئة ورقمه (80) لسنة 2023، حيث أسس هذا النظام لوجود الهيئة بشكلها ودورها الجديد، وهو شكل ودور يختلفان جذريًا عن ديوان الخدمة المدنية، إذ شكّل تحولًا جوهريًا عن مفهوم وفلسفة عمل ديوان الخدمة المدنية.
وتابع النهار إن هذا التحول الجذري جاء من ثلاث جوانب: الجانب الأول أن الديوان كان معنيًا بملف الموارد البشرية، بينما الهيئة معنية بملف التطوير بشمولية، ودخلت بجوانب ومجالات عمل أخرى. فقد أُسند للهيئة سبعة مجالات رئيسية تشمل: الموارد البشرية، القيادات، الخدمات الحكومية، الثقافة المؤسسية، تطوير الأداء المؤسسي، الخدمات المشتركة، إضافة إلى الهياكل التنظيمية. فأصبحت هذه المجالات السبعة من اختصاص هيئة الخدمة والإدارة العامة.
والتحول الثاني أن الهيئة انطلقت من التنفيذ إلى التنظيم والرقابة، فدور الهيئة اليوم تنظيمي رقابي وليس تنفيذيًا، وعندما نتحدث عن كلمة “تنظيمي رقابي” فإننا نتحدث عن ثلاثة أمور رئيسية أولًا نضع السياسات والتشريعات والتعليمات، لكن من أجل ضمان تطبيق هذا التوجه بالشكل السليم يأتي دورنا الثاني وهو التمكين والإسناد، فعلى سبيل المثال: آلية التعيين في القطاع العام، بعد أن نصدر هذه الآلية التي تمثل السياسة، نذهب إلى الدوائر الحكومية لنشرح لهم هذه السياسة ونمكنهم من تطبيقها ونوفر لهم الأدوات التي تساعدهم في تنفيذها، وهذه الأدوات قد تكون على شكل دليل إرشادي، أو ورش توعوية، أو نظام أو تطبيق إلكتروني يعملون عليه، أو نماذج، وكافة الأدوات التي تساعد على التطبيق، وبعد ذلك ننسحب قليلًا إلى الخلف، ويبدأ الدور الرقابي، حيث نتأكد أن السياسة التي وضعناها ومكّناهم ودربناهم على استخدامها، هل يتم تنفيذها بالشكل السليم أم لا، فهذا هو التحول الثاني في الأدوار وفلسفة إنشاء الهيئة.
وأما الجانب الثالث، فالشيء الجديد أن هيئة الخدمة والإدارة العامة اليوم معنية بمراقبة مدى امتثال الدوائر للمعايير والمستهدفات الواردة في خارطة طريق تحديث القطاع العام، وترفع تقارير إلى رئيس الوزراء واللجان الوزارية المعنية بمدى هذا الامتثال، والامتثال الذي نعمل عليه هدفه تطويري وليس للمساءلة.
رحلة الهيئة من التأسيس إلى التمكين
أوضح النهار بدأت رحلة الهيئة في بداية عام 2021، وسمّينا العام الأول “عام التأسيس” في هذا العام كان هناك جهد كبير في إنشاء تشريعات الهيئة نظامها، تنظيمها الإداري، مواردها البشرية، وهويتها المؤسسية الجديدة وصياغتها وتسويقها، وفي العام الثاني، بدءًا من عام 2025 إلى اليوم، بدأنا في مرحلة التمكين، حيث شرعت الهيئة في تنفيذ التصور الذي وضع لها في التأسيس، واليوم الانتقال الكامل من دور ديوان الخدمة المدنية إلى الدور الجديد لم يتم بيوم واحد، بل كان انسحابًا تدريجيًا مدروسًا متوازنًا لضمان الانتقال من المركزية المطلقة في ملف إدارة الموارد البشرية إلى اللامركزية، وأصبحت الدوائر اليوم هي المعنية بإدارة مواردها البشرية وفق السياسات التي وضعناها ومكّناهم ودربناهم على تنفيذها.
وأشار النهار إن خلال هذا العام أيضًا عملنا على إعادة النظر في هيكلة الهيئة نفسها في ضوء التغذية الراجعة من مرحلة التأسيس فقد راقبنا: هل كان الهيكل في السنة الأولى داعمًا لعملية أدوار الهيئة الجديدة، وتقدمنا بمقترح جديد للهيكلة وهو الآن في طور الإقرار النهائي، وسيُنشر خلال أسبوعين في الصحف الرسمية، وهي البنية التنظيمية الجديدة للهيئة التي أخذنا فيها بعين الاعتبار الدروس المستفادة والتغذية الراجعة من السنة الأولى، واتجهنا نحو التخصصية أكثر، وأعدنا بناء هيكلنا التنظيمي ليعكس المجالات السبعة التي ذكرناها في البداية، بالإضافة إلى الأدوار الثلاثة التي نمارسها من خلال الهيئة، ومن أبرز المحطات التي نقف عندها هذا العام، اكتمال منظومة إدارة الموارد البشرية من حيث النظام الجديد والتعليمات الصادرة بموجبه، إذ بدأ تعديل النظام في 24/2/2025، وفي 1/7/2024 صدر نظام إدارة الموارد البشرية، وكان هذا النظام قد جاء بفلسفة جديدة كليًا ومنظور حديث في إدارة الموارد البشرية بالقطاع العام، سواء في آلية التعيين أو الترقية أو الاستقطاب أو التدريب وغيرها، وحتى في التعامل مع عمليات الموارد البشرية.
وعند بدء تطبيق النظام على أرض الواقع لمسنا بعض التحديات في التطبيق أو بعض الأحكام التي كانت بحاجة إلى مزيد من الحوكمة لضمان التطبيق السليم، ولذلك تم تعديل النظام وتناول ما يزيد عن عشرين موضوعًا أو مادة رئيسية منها: العمل والإجازات بدون راتب، التعامل مع العقود الشاملة، وآليات التعيين، وفي 24/2 صدر أول نظام معدل لنظام إدارة الموارد البشرية.
بعد ذلك بدأت الهيئة بإصدار سلسلة من التعليمات التطبيقية، إذ إن النظام يأتي بأحكام رئيسية، لكن من أجل التنفيذ نحتاج إلى تعليمات، لذلك صدرت سلسلة كبيرة من التعليمات عن الهيئة خلال الأشهر الخمسة الماضية، تناولت القضايا المفصلية الرئيسية في إدارة الموارد البشرية بدءًا من التعيين وحتى مغادرة الخدمة، وما زال عدد بسيط من التعليمات في طور الإعداد والإقرار، وبعضها يُناقش في مجلس الوزراء أو اللجان الوزارية المعنية.
أيضًا بدأنا نؤسس للأطر التشريعية الخاصة بمحاور العمل الأخرى، فالهيئة لا تعمل فقط على ملف الموارد البشرية، ففي مجال الهياكل التنظيمية صدر في الشهر الماضي نظام تطوير الهياكل التنظيمية، الذي يحدد كيف تُبنى الهياكل التنظيمية داخل القطاع العام بحيث تكون رشيقة وتساعد المؤسسات في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ولا تُرهق الجهاز بالتوظيف الزائد، بل تركز على المهام الأساسية الأكثر ارتباطًا برؤى الإصلاح.
وضمن هذا الإطار صدر النظام، وبدأت الهيئة بتفعيل دورها في وضع السياسات والرقابة على الهياكل التنظيمية.
وكانت هناك محطات بارزة للهيئة، ففي شهر نيسان عقدت الهيئة بالتعاون مع مينبار (شبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لبحوث الإدارة العامة) مؤتمرًا مشتركًا، وكان من أفضل المؤتمرات التي عُقدت على مدار تأسيس هذه الشبكة، وتناول العديد من القضايا المتعلقة بالإدارة العامة، بمشاركة واسعة تجاوزت سبعمئة شخصية من اثنتين وعشرين دولة.
القطاع العام الأردني وظائف وفق الكفايات
القطاع العام في الأردن يحتاج سنويًا إلى ما بين سبعة إلى ثمانية آلاف وظيفة، وإذا ما قورن هذا الرقم بعدد الخريجين من الجامعات الأردنية فقط، فإننا نتحدث عن ما يقارب عشرة أضعاف هذا العدد، أي ما بين سبعين إلى ثمانين ألف خريج سنويًا. وبذلك، فإن قدرة استيعاب القطاع العام وحاجته لا تتجاوز 7 إلى 8 آلاف وظيفة، وبالتالي ليس كل من تخرج يجب أن يأتي ويضع اسمه على الدور. ومن هنا كان لا بد من اتخاذ قرار جريء بالتحول إلى منظومة جديدة أكثر كفاءة وفعالية وعدالة.
فتم التوجّه إلى ما يُسمى الإعلان المفتوح، بحيث يكون معيار التنافس للحصول على الوظيفة هو الكفاية، فإذا امتلك الشخص الكفايات اللازمة، فمن حقه أن يتقدم للوظيفة في القطاع العام، وهذا هو المعيار الرئيسي. لكن الانتقال إلى الإعلان المفتوح لم يكن دفعة واحدة، إذ إن هناك أشخاصًا لهم استحقاقات سابقة في الدور. لذلك جاء القرار الحكيم بأن يكون التحول تدريجيًا وعلى مدار سبع سنوات، بدءًا من عام 2020 بنسبة 10%، ثم ارتفعت النسبة إلى 20%، وإلى 45% في العام السابق، لتصل إلى 70% في عام 2025، وصولًا إلى 100% بحلول عام 2027.
أما بالنسبة للتعيينات التي خُصصت لهذا العام، فقد بلغت حوالي 7700 وظيفة في مختلف القطاعات، أنجز منها ما يقارب 70% حتى نهاية شهر آب، وكانت وزارة التربية والتعليم هي صاحبة الحصة الأكبر بحوالي3000 وظيفة للمعلمين، تلتها وزارة الصحة بما يقارب 2000 وظيفة، فيما توزعت البقية على قطاعات حكومية مختلفة.
الوظائف الحكومية العدالة الجغرافية والشفافية
ومن المعروف أن التواجد الحكومي في النطاق الجغرافي لا يكون متساويًا دائمًا، فبعض الجهات لها تمثيل واسع في المحافظات وربما الألوية، وبعضها يصل إلى الأقضية، بينما جهات أخرى يقتصر وجودها على مركز الدائرة في العاصمة عمان أو بعض المحافظات. ولهذا تكون فرص العمل أكبر بكثير في العاصمة عمّان مقارنة ببقية المحافظات.
وبحسب تعليمات الاستقطاب والتعيين، فإن أي جهة لديها تمثيل في الميدان على مستوى القضاء تُلزم بالإعلان عن الوظائف وفق مستوى هذا القضاء، بحيث تكون الفرصة الأولى لأبناء المنطقة التي يوجد فيها فرع الدائرة. وإذا كان الفرع على مستوى المحافظة، يتم الإعلان على مستوى المحافظة، وإذا كانت الوظيفة في مركز الدائرة بالعاصمة، فيكون الإعلان على مستوى المملكة كاملة. وبذلك، تبقى الفرصة متاحة لأي مواطن في أي لواء أو قضاء في المملكة الأردنية الهاشمية للتقدم للوظيفة المعلنة، واليوم أصبح المواطن قادرًا على الاطلاع على جميع الإعلانات في أي وقت وبكافة الوسائل المتاحة، ما يعزز الشفافية ويضمن وصول المعلومة للجميع.
موظفو شراء الخدمات بين المؤقتية والكفاءة
موظف شراء الخدمات لا ينطبق عليه تعريف “الموظف” بالمعنى الوارد في نظام إدارة الموارد البشرية، إذ إن هذا الشخص يتم الاستعانة به لغايات تقديم خدمة مؤقتة، ولا يخضع لأحكام النظام، والأصل في هذه الفئة أن تكون مؤقتة وتنتهي بانتهاء الخدمة التي يقدمها، أما إذا كانت الوظيفة تتصف بالديمومة والاستمرارية، فالأصل أن يتم التعيين عليها وفق أحكام النظام وبالطريقة العادلة والنزيهة. وبالتالي، فإن شراء الخدمات يكون فقط لشخص يقدّم خدمة محددة، أو يمتلك خبرات لا تتوافر لدى غيره، أو لأسباب مرتبطة بالبعد الجغرافي، والشخص الذي يتم التعاقد معه بنظام شراء الخدمات شأنه شأن أي شخص غير مُعيّن وموجود في المخزون، حيث يستطيع أن يتقدم لأي إعلان وظيفي مطروح، وتبقى الفرص مفتوحة أمامه أسوة بباقي المتقدمين.
إدخال الذكاء الاصطناعي
ولتعزيز النزاهة والشفافية، تعمل الهيئة على إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الفرز، ضمن مشروع “منصة التوظيف الذكي”، الهدف من ذلك هو تقليل تدخل العنصر البشري، والاعتماد على البرمجيات والتكنولوجيا التي لا تعرف محاباة أو تمييزًا، لضمان معاملة جميع المتقدمين بعدالة مطلقة.
العدالة والفاعلية في آن واحد
التحول نحو الإعلان المفتوح لا يهدف فقط إلى العدالة في منح الفرص، بل أيضًا إلى رفع كفاءة القطاع العام، فالتوظيف المبني على الكفاءة يضمن أن تصل المؤسسات إلى أصحاب القدرات الحقيقية القادرين على الارتقاء بمستوى الخدمات الحكومية، ويمنح الشباب المجتهد فرصة حقيقية لإثبات ذاته بعيدًا عن قيود الدور والأقدمية.






