نورالدين نديم
لم يمض على الإنتهاء من كأس العالم شهوراً قليلة، حتى شرعت اليابان بالتجهيز والاستعداد لتنظيم كأس عالم آخر ليس له علاقة بالكرة لا من قريب ولا من بعيد، إنه كأس العالم في جمع القمامة، هذه الفكرة الدرس والمدرسة، كيف نصنع من الترفيه طاقة منتجة لصالح “الكوكب”.
جمع القمامة في اليابان ليس مجرد وظيفة، أو حاجة، بل تعداها ليكون صنعة ولعبة شعبية تهذب السلوك وتنتج جيلاً منتمياً لكوكب الأرض بأنسنته والرفق به.
نشأت لعبة جمع القمامة في اليابان عام 2008 وسميت “سبوغومي” وهي مزيج لكلمتين هما “سبورت” أي الرياضة و “جومي” أي القمامة، “رياضة القمامة”.
وليس من الغريب أن يتفاعل المواطن الأردني مع هكذا خبر وهو يعايش حالة من العجز وفقدان القدرة لدى البلديات عن متابعة النظافة في شوارعنا وحاوياتنا وصلت حد المكاره الصحية في بعض المناطق في الزرقاء مثلاً.
عندما نرى حجم الابداع وعمق الانتماء والقدرة على الإنجاز من دولة وشعب خرج من هزيمة عظيمة وضربة نووية لم يتعرض لها غيره من الشعوب، لكنه نهض وواصل، واتكأ على ركام بيوته وبقايا عظام أجداده ليصنع من الهزيمة إنتصاراً، بينما نحن نلاحق ضاغطة مهملة “كشنت” محركها، وإذن صيانة ينتظر دوره في المرور على خمسة مدراء ليعبر بحراً من البيروقراطية ترتفع معه الكلفة وفقاً للتنفيعات وموازنةً للمصالح الإنتخابية.
نغبطهم.. نعم نغبطهم على ما هم فيه من ثقافة وقدرة على إدارة إرادتهم، ولا نقارن أنفسنا بهم ونعلم إختلاف الظرف وحجم المؤامرة الكونية وعظيم نعمة المكان والزمان وكل خرافات الدنيا وحقائقها، ولكن.. لتبقى لكن حاجزاً يحجب عن إداراتنا ضوء الإبداع ونفس التطور والممارسات المنتجة.
جميل أن نرى هذا العام عشرون فريقاً متسابقاً من عشرين دولة مختلفة، والأجمل أن نرى دولة عربيةً من بين هذه الفرق، فلعل العدوى تصيب عالمنا العربي فنرى أجمل أيامنا التي عاشها أجدادنا تستعاد على يد جيل من الأحفاد لا يعرف لليأس طريقاً ولا يوقفه عائق عن الوصول إلى هدفه.
إستطاعت اليابان أن تحول لعبة شعبية في جمع القمامة إلى مسابقة عالمية تهدف إلى تشجيع المواطنين على الحفاظ على البيئة ونظافة الأماكن العامة ، وأعلنت اليابان أن أولى هذه البطولات العالمية ستنطلق في الأول من تشرين الثاني المقبل.
“رياضة القمامة” مسابقة خفيفة لطيفة وفق قواعد واضحة، مدتها ساعة يشارك فيها عشرون فريقاً، كل فريق منهم يتكون من ثلاثة إلى خمسة لاعبين، يترتب عليهم التنافس في جمع القمامة وفرزها وفق ما يسهل إعادة تدويرها والإفادة منها، تحولت من لعبة إلى ثقافة بلد بأكمله، على أمل أن تتحول إلى ثقافة عالم بجميع مكوناته.
ويعتبر فرز النفايات بشكل صحيح في أكياس قابلة لإعادة التدوير هو التحدي الأكبر في المسابقة، ويتم إختيار الفريق الفائز بناء على وزن النفايات التي جمعها .
والمسألة لا تتعلق فقط بالبيئة والابداع والتفوق في وسائل وأساليب الاهتمام فيما يتعلق بالحفاظ عليها، وإنما يتعداه لصناعة ثقافة الاستقلال حتى بشكل ومضمون الفعاليات والأنشطة وصناعة العادات، ورفض الانسياق وراء التقليد الممنهج من غير وعي ولا تفكير.
بانتظار الأول من نوفمبر القادم لنشاهد بدء فعاليات هذه الرياضة الجديدة التي اخترعتها اليابان وحولتها إلى مسابقة عالمية، ستتنافس فيها فرق عديدة من بلدان مختلفة.