كتب. محمد محيسن – هل يستطيع المواطن العربي أن يحصي عدد البيانات التي أطلقتها جهات مسؤولة تتحدث عن تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن؟
وهل عرف أو سيعرف الشعب السوري كم من البيانات والمواقف التي سيتم اتخاذها عبر الفضائيات للبكاء على الدم النازف؟
وهل يستطيع المسلم معرفة البيانات التي رفضت المجازر التي يتعرض لها العالم الإسلامي؟
وهل يمكن للفلسطينيين أن يعرفوا كم صرفت الأمة العربية والإسلامية من أوراق لطباعة بيانات حملت عنوان القدس، أو التي تباكت على المجازر، أو التي نددت بالعدوان، أو التي أدانت المستوطنات، أو التي رفضت المشاريع الأمريكية في المنطقة، أو أو أو؟
وفي الوقت الذي استهلك الكيان الصهيوني عشرات آلاف الأطنان من الرصاص والقنابل للفتك بالشعب الفلسطيني، استهلكت الأمة العربية والإسلامية والفصائل الفلسطينية وقوى التحرر العربي، الخ، آلاف الأطنان من الورق للردّ على العدوان!
أذكر أنّ أحد البيانات استخدم عبارة الرد على النار بالنار، فيما قال آخر لا يفل الحديد إلاّ الحديد، وادّعا ثالث بتدمير الكيان الصهيوني، ورابع اقترب من القدس وحيفا ويافا وعكا، حتى ظننا أنّ المدافع والصواريخ ستدوي في سماء فلسطين.
تلك البيانات التي استمرأت جمال اللغة العربية ورحابة صدرها، جعلتنا في الكثير من الأحيان نشفق على حق الكلام وجماليات التعبير.
وبتنا نتساءل ما الذي أفرغ الكلمة من محتواها ومضمونها الحقيقي، لتتحول إلى مجرد «حكي»، رغم أنّ اللغة في تراثنا بلغت حدّ القداسة.
وإذا كانت لغة البيانات التي يستخدمها الكثيرون في العالم العربي فاقدة لمحتواها، فإنّ الأمر بات تكرارا على نحو يدعو للرثاء، وفي كثير من الأحيان إلى السخرية، فما قاله بيان المحاسبة بالأمس كرره بيان مراجعة الذات لاحقا، وما انطوى عليه بيان الشجب قبل أسبوع اجترّ ذات العبارات بيان الاعتذار بعد شهر، وما ردده بيان التخوين، أعاده بيان التهدئة، وما قاله بيان الاستنكار جدده بيان الشجب والإدانة.
هكذا دويلك حياتنا باتت مليئة بالبيانات والشعارات والخطابات الرنانة، وبتنا نعيش نسخة مكررة من البيانات تضاف لها التواريخ والعناوين، وتكون جاهزة، أمّا التطبيق فيبقى في علم الغيب، حتى هدرت تلك البيانات الفاقدة لمعناها كرامة اللغة العربية وزادت من مساحة الكذب.
ففي تاريخنا العربي ثمة تشكيك مستمر بجدوى الكلام إزاء الفعل، الأمر الذي أدّى إلى تكرار عبارة «حكي» وصارت القناعة الراسخة في الأذهان إنّ الأمر مجرد ثرثرة جوفاء، لتصيب الكثيرين منّا بمرض اللامبالاة المزمن.
ويقول الكاتب الفلسطيني الموجوع خيري منصور لقد بات «هناك فك ارتباط غير معلن بين الكلمة والفعل والرقم ودلالاته، في عالم قرر أن يقسم الحراك الإنساني إلى خطوط طول تعني الأفعال وخطوط عرض تعني الأقوال».
والحقيقة التي ستنتصر في النهاية أنّ «السيف أصدق إنباء من الكتب، في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب».