في مقابلته مع وكالة الأنباء الأردنية “بترا” عرض الملك عبدالله الثاني الخطوط العريضة والمبادئ الرئيسية لبرنامج عمل الدولة الأردنية في مستهل مئويتها الثانية، وحدد بعضا من أهم مهماتها العاجلة؛ تنمية الحياة السياسية، والإصلاح الإداري للقطاع العام.
الإطار العام للبرنامج الملكي يستند في جوهره على سجل 100 عام من عمر الدولة،لا بل إنه يستدعي الروح الوطنية الأردنية التي تأسست عليها المملكة الأردنية الهاشمية قبل قرن من الزمان، لشحن طاقة الأردنيين في المئوية الثانية، واستعادة المبادئ والقيم التي قامت عليها الدولة، وتمكنت عبرها من تحقيق الإنجازات، وتجاوز المحطات الصعبة في تاريخنا، حتى غدت الاستثناء الوحيد في منطقة لم تعرف الاستقرار السياسي طوال تلك العقود.
عندما سأل الزميل فائق حجازين مدير عام “بترا” جلالة الملك، أين ترون الأردن اليوم، وإلى ماذا تطمحون، تحدث الملك مباشرة عن التنمية السياسية، وتجربة البناة الأوائل في هذا المجال، ووجه دعوة صريحة لإعادة النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية، مشيرا بشكل خاص إلى قوانين، الانتخاب والأحزاب، والإدارة المحلية.
قانون الإدارة المحلية المعدل في جعبة الحكومة حاليا، وهي بصدد استكمال مراجعته، تمهيدا لإرساله إلى البرلمان للنظر فيها وإدخال التعديلات اللازمة عليه قبل إقراره خلال شهرين، تمهيدا لإجراء انتخابات بلدية ومجالس محلية في شهر آب (أغسطس) المقبل.
التحدي الأهم يتمثل في تعديلات قانوني الانتخاب والأحزاب، فهما الأكثر جدلا في الأردن. لكن الملك هذه المرة لم يترك الحكومة والبرلمان ومعهم القوى السياسية بلا إشارات على الطريق، فقد ربط تعديل التشريعين بأمر أساسي”زيادة مشاركة الأحزاب والشباب في البرلمان”، وحدد الهدف النهائي وهو”الوصول إلى حياة حزبية برامجية راسخة، تمثل فكر الأردنيين وانتماءاتهم، وتحمل همومهم وقضاياهم الوطنية الجامعة، وتعمل من أجل تحقيق تطلعاتهم عبر إيصال صوتهم وممثليهم إلى قبة البرلمان”.
بمعنى آخر يمكن اعتبار هذا التعريف بمثابة أسباب موجبة للتعديلات على القانونين عند تقديمهما للبرلمان. ذلك يتطلب منذ البداية مقاربة مختلفة عند البحث في التعديلات المقترحة للقانونين، تلحظ الهدف والرسالة الملكية، بخلاف ذلك سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها التي تعود بنا كل مرة إلى نقطة الصفر،لا بل تعود بحياتنا السياسية والبرلمانية إلى الوراء أحيانا.
بالمناسبة التكليف الملكي بهذا الخصوص، يتطلب البدء فورا في مناقشة تعديلات الانتخاب والأحزاب،لأن تحقيق الهدف منها يحتاج لمرحلة انتقالية في الحياة الحزبية والسياسية قبل إجراء الانتخابات 2024.
التحدي الثاني الذي وضعه الملك على طاولة السلطات المعنية، هو الإصلاح الإداري، والحاجة الماسة لترشيق الجهاز الحكومي، وتطوير الأداء، وتنقية القطاع العام من أمراض الواسطة والمحسوبية، واستعادة قيم الكفاءة والجدارة كأساس لإشغال الوظيفة العامة، كبرت أم صغرت.
وفي هذا المجال، ثمة حاجة ماسة لثورة في التشريعات والسياسات، قد تؤدي في بعض الأحيان لصدام مع ثقافة سائدة وقوى متنفذة في المجتمع، لكن من دون هذه الثورة سيخسر الأردن من دون رجعة ميزته التاريخية، وإرثه في الإدارة الناجحة، وبالتأكيد فرصته في المنافسة على مستوى الداخل والإقليم، فعنوان معركة الإصلاح والتقدم اليوم هو القوى البشرية المؤهلة. وهذا يأخذنا إلى عنوان إصلاح التعليم، باعتباره جزءا مكملا لعملية الإصلاح الإداري وتنمية الموارد البشرية.
ليس ممكنا لأي دولة أن تنجح في بناء اقتصاد إنتاجي يعتمد على الذات، دون كوادر بشرية مؤهلة، وقطاع عام متطور ومنفتح، قادر على بناء الشراكة الفعلية مع القطاع الخاص، ويستجيب لتحدي الأتمتة وثورة المعرفة.
ملفات الإصلاح السياسي والإداري وبناء اقتصاد منتج، مترابطة ومتشابكة، ولا يمكن تحقيق إنجازات فيها، دون وجود فريق قيادي في الدولة يؤمن فعلا لا قولا بمبادئ الإصلاح الملكي ويتمثلها سلوكا ونهجا في عمله، والحكومة تظهر إرادة قوية بهذا الاتجاه، ينبغي ترجمتها في الأشهر المقبلة.
المهمات صعبة لكنها ليست مستحيلة، والملك لن يسمح هذه المرة بإضاعة الفرص.