صدى الشعب – ليندا المواجدة
في وقتٍ يبتعد فيه كثيرون عن المهن غير المألوفة، ويخشى فيه الأهالي على أبنائهم من المغامرات البعيدة، خرج الكابتن مالك المبارك الزواهرة من قلب محافظة أردنية تحمل إرثها وطباعها، ليصنع لنفسه مكانًا في عالم لا يعرف الثبات… عالم البحر.
هو ربان أعالي البحار، وكاتبٌ حمل معه دفترًا صغيرًا في الجيب، وحلمًا كبيرًا في القلب. سنوات طويلة قضاها متنقلاً بين محيط وآخر، يعمل على البواخر التجارية وخصوصًا بواخر نقل البترول، يزور عشرات الدول، ويرى ثقافات وشعوبًا ومساحات لا تشبه بعضها. لكن الرحلة لم تبدأ من البحر… بل من البيت.
*الدعم الأول… قصة الأب الذي رأى الطريق قبل أن يُرى*
وراء كل رحلة كبيرة أبٌ أكبر.
كان والد الكابتن مالك أول من آمن بأن ابنه لا يشبه بقية أقرانه… وأن البحر ليس مخاطرة بقدر ما هو قدرٌ مكتوب لمن يعرف كيف يبحر.
بين خوف الآباء الطبيعي ورغبة الأبناء الجامحة، اختار والده أن يقف معه، لا أن يقف في وجهه. دعمه عندما اختار دراسة الملاحة البحرية—تخصص لا يزال قليلًا في الأردن—وأصر على أن يكون سندًا في كل خطوة. لم يكن القرار سهلاً على عائلة ترى ابنها يسافر شهورًا طويلة، لكن الإيمان كان أقوى من الخوف.
هذا الدعم، كما يقول الكابتن مالك، كان نقطة التحوّل التي جعلته يقف على أول عتبة في سلم البحر… وأول خطوة في رحلة ستغيّره بالكامل.
*رحلة البحر… مهنة لا تشبه غيرها*
حياة البحّار ليست مجرد مهنة.
هي عزلة، واشتياق، ووقت طويل مع النفس، ومواجهة مباشرة مع الطبيعة. هناك أيام يمرّ فيها كل شيء ببطء مدروس، وأيام أخرى يصير فيها البحر كائنًا شرسًا لا يرحم.
واجه الكابتن مالك تحديات صعبة:
• الغربة الطويلة عن العائلة.
• المسؤولية الثقيلة على متن السفن.
• التعامل مع ثقافات مختلفة في كل ميناء.
• صراع الإنسان مع وحدته في عرض البحر.
لكن أصعب التحديات كانت أن يبقى الإنسان إنساناً رغم المسافة والبعد.
وهذا، كما يقول، ما صنع شخصيته اليوم.
*ولادة الكتابة… حين يصبح البحر معلمًا آخر*
من قلب الأمواج وهدوء الليل فوق سطح الباخرة، وُلدت الكتابة.
لم تكن هواية عابرة، بل حاجة داخلية.
كان يدوّن كل ما يشعر به: لحظات الخوف، مشاهد الغروب، ضحكات البحارة، قصص الغرباء في الموانئ، وحتى الصراعات التي تحدث بين البحر والروح.
*هكذا وُلد كتابه الأول*
“*عابر البحار لا يعرف الطريق*”
كتاب يخلط السيرة الذاتية بتأملات فلسفية عن الحياة، الرحلة، الذات، الضياع، والبحث الدائم عن معنى الطريق.
عنوانٌ يبدو متناقضًا لربان أعالي البحار… لكنه يعترف:
“أكثر الناس سفرًا هم أكثرهم بحثًا.”
*رسالة للشباب… الطريق لا يُرسم، الطريق يُصنع*
بعد هذه السنوات، يحمل الكابتن مالك رسالة واضحة:
أن الجرأة جزء من النجاح.
وأن الإنسان مهما سافر وشاف… يظل يبحث عن ذاته.
وأن الضياع أحيانًا ليس عثرة، بل بداية اكتشاف جديد.
يدعو الشباب لعدم الخوف من التخصصات الجديدة… وللإيمان بأن لكل إنسان بحرًا خاصًا عليه أن يبحر فيه، مهما بدا بعيدًا.
ختامًا… ربان كتب رحلته بلغة تشبه الموج
الكابتن مالك المبارك الزواهرة ليس ربانًا فقط، بل صاحب أثر…
جمع بين المهنة والتجربة والكتابة، وصنع لنفسه إرثًا إنسانيًا قبل أن يكون مهنيًا.
فـ”عابر البحار لا يعرف الطريق” ليس مجرد كتاب،
بل مرآة لرحلة رجل اختار أن يعيش حياته على طريقٍ لا يراه الناس عادة…
طريق الموج.






