“درسك” بين اليونيسف و”التربية”

نهاية الأسبوع الماضي أظهر مسحٌ لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” أن 32 % من طلبة المملكة لم يدخلوا مطلقا إلى منصة درسك، وهي نتيجة احتجت عليها وزارة التربية والتعليم، وقالت إنها مغلوطة تبعا لاستطلاعاتها.
بالتأكيد، المسح لم يكن لكامل الطلبة الأردنيين في المدارس الحكومية، فقد وقع الإعلام وكثير من المهتمين بالتعليم، وأنا واحدة منهم بالخلط الكبير بين المدارس الحكومية ككل، وبين طلبة برنامج “مكاني” ممن تم تصنيفهم ضمن منظومة تحددت بفئات ما دون المتوسط الذي تشرف عليه اليونيسف، والذي استهدفه المسح.
مسح اليونيسف جاء لقياس نسبة دخول الفئة المستهدفة للمنصة، ما ينفي عنه صفة التمثيل الشامل لطلبة المدارس الحكومية الأردنية، فهي عينة انتقائية جمعت في الأساس ضمن البرنامج، واستهدف المسح 450 طالبا وطالبة.
على مستوى البرنامج المستهدف سيكون هذا العدد مقبولا، لكنه لن يكون كذلك اذا كان المسح يهدف لقياس استجابة طلبة المدارس الحكومية للدخول للمنصة، فنحن هنا لا نقيس رأيا أو اتجاها وإنما ممارسة فعلية، يمكن قياسها بشكل أكثر دقة إن نحن أردنا ذلك، وأظن أن اليونيسف كان بإمكانها عمل أفضل من هذا المسح، خصوصا انها منظمة تمتلك إمكانات كبيرة، وأيضا كون أفراد العينة موجودين في كل مكان وليس من الصعب على أي شخص أو جهة الوصول إليهم بأقل الكلف.
قد يتبدى كلامي تحاملا على هذه المنظمة الأممية المهمة جدا، وهو ليس كذلك، فبالتالي اليونيسف أجرت مسحها، ووثقته بجميع أركانه بما فيها الآلية وطبيعة العينة وعدد أفرادها وأماكن وجودهم وأيضا مؤشرات الانحراف والثبات وهامش الخطأ.
قد لا تكون اليونيسف على وجه الخصوص هي المسؤولة عن الخلط الذي ساد ليومين، فناقلو المسح هم من وقعوا بهذا الخلط، وأظهروا الأمر على غير حقيقته في وسائل إعلام “اجتهدت في مكان النص”، وهو مكان لا يقبل الاجتهاد أبدا.
في سياق مثل هذا، تتبدى بوضوح إشكالية المعلومة والإعلام وتمظهراتها وتفسيراتها. وهي إشكالية ليست خاصة بالأردن بل هي معلومة نجدها في جميع الساحات، ويمكنني القول إن الإعلام المحلي تعامل دائما مع هذا النوع من الموضوعات والأخبار بمسؤولية كبيرة أنتجت وعيا اجتماعيا مقبولا جدا، خصوصا في ملف مهم مثل التعليم الذي لا يقبل التهويم والتدليس.
لكن، لماذا شاعت في الإعلام أرقام أو نسب غير حقيقية لمحتوى مسح أممي؟
في البداية والنهاية هذا أمر تتحمل مسؤوليته اليونيسف، فعدم نشرها للمسح ونتائجه من قبلها بصورة رسمية فتح الباب لتفسيرات عديدة دخل فيها كثير من المحددات سواء من منطلق الوسيلة الإعلامية والصحفي الذي تصدر لتغطية الموضوع ومقدرته على استخلاص النتائج إلى غير ذلك من محددات.
قد لا تكون أرقام اليونيسف بعيدة كثيرا عن أرقام وزارة التربية والتعليم، فأنا هنا لست بصدد الدفاع عن الوزارة ولا عن دقة الأرقام الصادرة عن هذه الجهة أو تلك. وإنما أتحدث عن إشكالية قراءة استطلاع ونتائجه أحدثت جدلا في الأوساط ذات العلاقة.
في الخلاصة فإن اليونيسف تتصدى لتنفيذ برامج معينة مسؤولة عنها في خططها السنوية، وهي تقوم بمثل هذه المسوح والاستطلاعات استكمالا لتلك البرامج، وتبرئة لذمتها أمام الممولين.
لكننا هنا ينبغي أن نسأل عن الجهات المحلية بما تشمله من منتديات ومراكز بحوث ومراكز استطلاع ومنظمات مجتمع مدني تدعي بأنها تشتغل على عدالة التعليم وشموليته، أو على الأقل تمكين المجتمعات الأقل رعاية ليكون لها موضع تحت سماء التعليم: أين هي مساهماتكم في تبيان واقع عملية التعليم عن بعد، وكم حققت من عدالة بين طلبة المدرسة الخاصة والمدرسة الحكومية من جهة، وطلبة المدارس الحكومية في البيئات المختلفة من جهة أخرى.
إننا نتحدث هنا عن التعليم، أو عن الحلم الأردني بمداه الأوسع، ومن العار أن تغمض جميع هذه الجهات عيونها عن واقعه اليوم.
اليونيسف بينت أمس، أن المسح كان لعينات مختارة من برنامج “مكاني”، وبالتالي لا يمثل طلبة المدارس الحكومية جميعها، وبذلك قطعت الجدل الدائر. هذا أمر جيد، لكننا سنبقى منتظرين مؤسساتنا الوطنية لتقوم بدورها المطلوب منها، وأن تعمد إلى تقييم عملية التعليم اليوم، لا من أجل إرضاء الممولين، بل من أجل معالجة العديد من الاختلالات والتحديات فيها.

أخبار أخرى