لأشهر طويلة مضت كان الجهد الدبلوماسي الأردني الفلسطيني موجها لتطويق التداعيات الكارثية لمخرجات صفقة القرن التي تنبتها إدارة ترامب والمنحازة بشكل جنوني لمشروع اليمين الصهيوني ممثلا بحكومة نتنياهو.
السلطة الفلسطينية ولاعتبارات كثيرة قررت قطع اتصالاتها السياسية مع إدارة ترمب ردا على مواقفه المعادية لعملية السلام بمرجعياتها التاريخية، وأبقت على نافذة أمنية للتنسيق مع المخابرات الأميركية.
لم يكن مثل هذا الخيار مطروحا بالنسبة للأردن ولاعتبارات كثيرة أيضا، فاختارت الدبلوماسية الأردنية الاشتباك السياسي مع الإدارة الأميركية بدلا من القطيعة. وقاد الأردن جهودا دبلوماسية جبارة على الساحة الدولية لضمان المحافظة على الدعم الدولي لحل الدولتين وإنقاذ وكالة الغوث الدولية من الإفلاس، والمحافظة على مكانة القدس والوصاية الهاشمية على مقدساتها.
دائما ما اصطدم هذا الجهد مع مقاربة البيت الأبيض وفريقه بقيادة المستشار جاريد كونشير صهر الرئيس ترامب، وأكثر ساسة واشنطن تعلقا باليمين الإسرائيلي ونتنياهو.
المناقشات بين الجانب الأردني وفريق البيت الأبيض اتسمت على الدوام بالتشنج والخلاف الشديد، لكن بالرغم من ذلك تمكن الأردن وبدعم من أطراف عديدة من فرملة خطوات الضم الإسرائيلي لمناطق غور الأردن، وتجميد صفقة القرن بانتظار الانتخابات الرئاسية التي حملت نتائجها أخبارا سارة للجانب العربي والفلسطيني.
كان الملك عبدالله الثاني من أوائل الزعماء الذين بعثوا بالتهنئة لجو بايدن مع ظهور النتائج الأولية للانتخابات، وكان أول زعيم عربي يجري اتصالا هاتفيا مع بايدن بعد أن أخذت نتيجة الانتخابات طابعا رسميا.الملف الفلسطيني وحل الدولتين كانا في مقدمة المواضيع التي تناولها الاتصال الهاتفي، وثمة أخبار عن لقاء مرتقب بين الزعيمين في ربيع العام المقبل.
السلطة الوطنية الفلسطينية تراجعت عن قرار قطع الاتصالات مع واشنطن وحكومة إسرائيل بعد فوز بايدن في خطوة داعمة لمواقف الإدارة الجيدة من عملية السلام وحل الدولتين.
محادثات الملك والرئيس الفلسطيني في عمان أمس، تأتي بعد أشهر من تعذر الاجتماعات المباشرة بسبب أزمة كورونا، ومرحلة طويلة من الترقب لما ستؤول إليه الأوضاع في واشنطن. ويمكن اعتبارها قمة تمهيدية لإطلاق مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي لترميم الخراب الذي احدثته إدارة ترمب، وإعادة عملية السلام إلى سكتها الصحيحة.
لن يكون هذا بالأمر اليسير، إدارة بايدن تواجه ملفات ثقيلة على المستوى الداخلي أبرزها الانقسام الداخلي غير المسبوق في المجتمع الأميركي وجائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد العالمي.
وعلى المستوى الخارجي، ترميم العلاقات مع أوروبا، والخروج من دائرة الفوضى في العلاقة مع الصين وروسيا.
لكن إدارة بايدن أخذت على عاتقها إعادة الاعتبار للدور القيادي للولايات المتحدة في العالم، ولايمكن تجاهل الشرق الأوسط على هذا الصعيد. الملفان الأكثر اهمية في المنطقة، الاتفاق النووي مع إيران وعملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
فريق بايدن للسياسة الخارجية يعرف المنطقة عن كثب، وانخرط سابقا في المفاوضات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وليس مضطرا للبدء من نقطة الصفر.
استراتيجية الأردن تقوم على الاستعداد المبكر لإطلاق زخم عملية السلام من جديد، وحث الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض على الانخراط في جهود السلام واعادة الاعتبار لمبدأ حل الدولتين.
التنسيق الأردني الفلسطيني مهم جدا على هذا الصعيد، ولايمكن توقع دور أميركي فاعل دون مبادرات أردنية فلسطينية تقدم بديلا منطقيا وممكنا لصفقة القرن التي نجحت إدارة ترمب في فرض بعض بنودها ولعل أخطرها الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للاحتلال الاسرائيلي، وشرعنة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.