صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
تراجع الدعم الحكومي ومشكلات هيكلية وراء أزمة الجامعات
أكّد رئيس الجامعة الأردنية الأسبق، الدكتور أخليف الطراونة، ان الجامعات الأردنية تعيش أزمة مركبة تعود أسبابها إلى تداخل عاملين رئيسيين هما تراجع الدعم الحكومي ومشكلات هيكلية في إدارة الموارد.
وقال الطراونة خلال حديثه لـ”صدى الشعب” إن الأزمة ليست وليدة سبب واحد، بل هي نتيجة تراكب عاملين أساسيين، الأول هو التراجع الكبير في الدعم الحكومي للجامعات على مدى العقد الماضي، والثاني هو وجود مشكلات هيكلية في الإدارة المالية والتشغيلية للجامعات.
وأوضح أن الحكومة خفضت التزاماتها المالية، مما دفع الجامعات للاعتماد بشكل متزايد على الرسوم الدراسية والاقتراض، بينما لم تستطع إدارات الجامعات إعادة هيكلة موازناتها بما يكفي لتدارك الأزمة، مؤكداً أن الوضع الحالي يمثل أزمة مركبة تتطلب معالجة متوازنة على صعيد الدعم الحكومي وتحسين الإدارة الجامعية.
كلفة اجتماعية خطيرة تمس مبدأ العدالة التعليمية
وحول رفع الرسوم الجامعية، أوضح أن رفع الرسوم ليس الحل الوحيد ولا يجب أن يكون المدخل الأول، مشيراً إلى أن له كلفة اجتماعية خطيرة تمس مبدأ العدالة التعليمية.
وأشار إلى وجود بدائل يمكن تفعيلها قبل اللجوء إلى زيادة الرسوم، منها ضبط الإنفاق غير الضروري، وتنويع مصادر الدخل عبر الشراكات البحثية والصناعية، وتوسيع الاستفادة من المنح الدولية.
وأكد أنه في حال تم تعديل الرسوم، يجب أن يكون ذلك بشكل تدريجي، مشروطاً ببرامج منح وقروض للطلبة المحتاجين، ومقترناً بخطة واضحة لاستثمار هذه الموارد في رفع جودة التعليم.
وقال إن عدم انتظام تسديد الحكومة لمخصصاتها المالية يؤثر تأثيراً مباشراً وكبيراً على وضع الجامعات، حيث تُضطر الجامعات لتأجيل أعمال الصيانة وتجميد المشاريع التطويرية، كما تقلل من الإنفاق على البحث العلمي.
وأضاف أن ذلك يؤدي إلى زيادة مديونية الجامعات ويضعف قدرتها على التخطيط طويل الأمد. وأشار إلى أن غياب الانتظام في التحويلات المالية كان من أبرز أسباب تعميق الفجوة بين الاحتياجات الفعلية والموارد المتاحة.
تقييم دور البرامج التمويلية الحالية وإمكانية استبدالها بآليات أكثر عدالة
وتناول تقييم البرامج التمويلية مثل “التعليم الموازي” و”الدولي” التي لعبت دوراً في دعم موازنات الجامعات، مشيراً إلى أنها أحياناً أوجدت اختلالات في عدالة القبول وخلقت فجوة بين التخصصات.
وأكد أن الحل ليس في الإلغاء الكلي لهذه البرامج، بل في إعادة هيكلتها وربطها بمؤشرات أداء أكاديمي، مع استبدال جزء من إيراداتها بآليات تمويل قائمة على المخرجات مثل الكفاءة في التوظيف وجودة البحث العلمي. وأشار إلى أهمية تعزيز صناديق الوقف والمنح كبدائل أكثر عدالة واستدامة.
أوضح أن الأزمة المالية أثرت سلباً على البحث العلمي، واستقطاب الكفاءات، وتطوير البنية التحتية، وهي عوامل رئيسية في التصنيفات العالمية للجامعات.
وأضاف أن رفع الرسوم لوحده لن يحل المشكلة، بل قد يؤدي إلى تأجيلها إذا لم تُربط الزيادة بخطة استراتيجية لتحسين الجودة. وأكد أن زيادة الرسوم يجب أن تُستثمر في البحث والتطوير والبرامج الأكاديمية لتحقق تحسينات ملموسة.
واستعرض الطراونة حزمة الإصلاحات التي أطلقها خلال رئاسته للجامعة الأردنية، والتي هدفت إلى تطوير أداء الجامعة وتحسين الخدمات التعليمية والبحثية. وأوضح أن هذه الإصلاحات شملت تحسين الإدارة المالية والهيكلية، تعزيز الحوكمة والشفافية، وتطوير الخدمات الطلابية.
في جانب الإصلاح المالي والهيكلي، أكد على تعزيز دور صندوق الاستثمار للجامعة للحد من نمو فاتورة الرواتب، والحد من التعيينات غير الضرورية، إضافة إلى وضع نظام موازنة متوسط المدى يربط الإنفاق بالأولويات الاستراتيجية.
وأشار إلى تنويع مصادر الدخل عبر إنشاء “وقفية الجامعة الأردنية” التي تعد أول نموذج وطني لدعم الجامعة من خلال مساهمات الخريجين ورجال الأعمال، وإطلاق شراكات بحثية مع القطاعات الصناعية، وتفعيل برامج الدبلومات المهنية المدفوعة، وتطوير برامج الدراسات العليا الموجهة للأسواق الإقليمية، بالإضافة إلى تطوير البرنامج الدولي للجامعة.
أما في مجال تحسين الجودة، فذكر إدخال معايير الاعتماد الدولي لبعض الكليات مثل الطب وطب الأسنان والهندسة والتمريض والأعمال، إلى جانب دعم النشر العلمي وتحفيز أعضاء هيئة التدريس مالياً ومعنوياً، وإنشاء مراكز بحثية متخصصة تعزز من مكانة الجامعة في البحث العلمي.
وعلى صعيد الحوكمة والشفافية، بيّن أن الجامعة عملت على تفعيل الرقابة الداخلية، وتطوير نظام مالي إلكتروني شفاف، وفتح قنوات تواصل مستمرة مع المجتمع الجامعي عبر مجالس استشارية تضم أعضاء هيئة التدريس والطلاب والموظفين.
وفيما يتعلق بالخدمات الطلابية، أكد حرص الجامعة على تعزيز صندوق دعم الطالب لحماية الطلبة المحتاجين، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتوسيع خدمات التعليم الإلكتروني لمواكبة التطورات التكنولوجية.
وأشار إلى وجود تحديات عدة حالت دون استكمال تنفيذ الخطط الإصلاحية بشكل كامل، منها غياب استقرار الدعم الحكومي وعدم انتظام تحويل المخصصات المالية، مما أثر سلباً على قدرة الجامعة المالية على تنفيذ المشاريع.
كما لفت إلى وجود مقاومة داخلية للتغيير، خاصة فيما يتعلق بضبط الرواتب وإعادة الهيكلة، ما أدى إلى تباطؤ الإجراءات الإصلاحية.
وأضاف أن الظروف السياسية والاقتصادية الوطنية أثرت أيضاً على قدرة الجامعات في استقطاب التمويل البديل اللازم لاستدامة وتطوير الخطط.
شراكة متوازنة بين الحكومة والجامعات الحل الأمثل للأزمة
وأكد أن الحل الأمثل يكمن في شراكة متوازنة بين الحكومة والجامعات، حيث تضمن الحكومة الحد الأدنى من التمويل الأساسي للرواتب والبنية التحتية الحيوية، مقابل إلزام الجامعات بوضع وتنفيذ خطط إصلاحية واضحة وتنويع حقيقي لمصادر الدخل.
وأوضح أن ترك الجامعات تعتمد فقط على مواردها الذاتية قد يؤدي إلى انهيار بعضها، في حين أن التدخل الحكومي الكامل دون إصلاح سيبقي الأزمة على حالها.
وشدد على أن التوازن والشفافية هما المفتاح لتجاوز الأزمة، وأن الأزمة مركبة ولا يمكن حلها بقرار واحد فقط، مشيراً إلى أن رفع الرسوم قد يكون أداة ضمن الحلول، لكن البديل الأفضل هو إصلاح مالي وهيكلي شامل، مدعوم بخطة استراتيجية توازن بين دور الحكومة ومسؤولية الجامعات.
