صدى الشعب – كتبت سارة طالب السهيل
طلب مني أحد أصدقاء التواصل الاجتماعي، والذي لا أعرفه وجها لوجه أن أكتب عن المهارات الحياتية وهو الدكتور محمد خريسات وكونه متابعاً لكتاباتي وإنسان لديه وعي وثقافة واضحة من تجاوبه لما يكتب ومتابعته الصفحات الثقافية وتعليقاته.
فأحببت أن لا أخيب ظنه، وكتبت فوراً هذا المقال
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبحت المهارات الحياتية (Life Skills) عنصراً أساسياً في تحديد نجاح الأفراد وتكيفهم مع متطلبات الحياة الشخصية والمهنية. هذه المهارات لا تقل أهمية عن المهارات الأكاديمية أو التقنية، بل تكملها لتشكل شخصية متوازنة قادرة على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات السليمة.
المهارات الحياتية هي مجموعة من القدرات النفسية والاجتماعية التي تمكن الفرد من التعامل بفعالية مع تحديات الحياة اليومية، وتشمل مهارات التواصل، التفكير النقدي، إدارة المشاعر، واتخاذ القرارات. وقد عرفتها منظمة الصحة العالمية (WHO) بأنها القدرات التي تمكن الأشخاص من التكيف الإيجابي والتفاعل الفعال مع أنفسهم والآخرين ومع المجتمع وضبط النفس.
أصل المفهوم وتطوره
ظهر مصطلح “المهارات الحياتية” في إطار برامج التربية الصحية والتنمية البشرية التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة اليونيسيف في التسعينيات، بهدف تمكين الشباب من مواجهة التحديات الحياتية.
أنواع المهارات الحياتية
المهارات الشخصية (الفردية)
تشمل هذه المهارات القدرات التي تساعد الفرد على إدارة ذاته وتطويرها، مثل التفكير الناقد الذي يمكن الفرد من تحليل المعلومات واتخاذ قرارات مدروسة، وإدارة الوقت التي تمكنه من تنظيم المهام لتحقيق الإنتاجية، والتكيف مع التغيير الذي يعزز المرونة في مواجهة المستجدات.
المهارات الاجتماعية
تتمثل هذه المهارات في القدرات التي تمكن الفرد من التفاعل الإيجابي مع الآخرين، مثل التواصل الفعال الذي يشمل القدرة على التعبير والاستماع بفهم، والعمل الجماعي الذي يعزز التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة، وحل النزاعات الذي يساعد على إدارة الخلافات بشكل بناء.
المهارات العاطفية
تشمل هذه المهارات القدرات المتعلقة بفهم وإدارة المشاعر، مثل الذكاء العاطفي الذي يمكن الفرد من فهم مشاعره وإدارتها، والتعامل مع الضغوط، ويساعده على التحكم في التوتر والقلق، وتعزيز الثقة بالنفس التي تعزز تقدير الذات والتطوير المستمر.
أثر المهارات الحياتية على العنصر البشري
على المستوى الفردي
تساهم المهارات الحياتية في تحسين جودة الحياة عبر اتخاذ خيارات صحيحة، وزيادة الفرص الوظيفية بسبب المهارات القيادية والتواصلية، وتعزيز الصحة النفسية والاستقرار العاطفي.
على المستوى المجتمعي
تعمل هذه المهارات على تقليل معدلات الجريمة والعنف عبر تعزيز الحوار، وزيادة الإنتاجية الاقتصادية بفضل القوى العاملة الماهرة، وبناء مجتمعات متعاونة ومتماسكة.
على المستوى المؤسسي
تساعد المهارات الحياتية في زيادة الإنتاجية، وفي تحسين بيئة العمل عبر التواصل الفعال، وتعزيز الابتكار والإبداع في الفرق، وخفض معدلات دوران الموظفين (Turnover) والشعور بالراحة والانتماء
التطبيقات العملية لاكتساب المهارات الحياتية
في التعليم
يمكن إدراج مناهج تعليمية تركز على المهارات الناعمة، وتنظيم ورش عمل في حل المشكلات والقيادة لتعزيز هذه المهارات لدى الطلاب.
في العمل
يمكن تصميم برامج تدريبية تركز على الذكاء العاطفي وتحسين مهارات العرض والتقديم، مما يسهم في زيادة كفاءة الموظفين في سوق العمل.
في الحياة اليومية
في خضم الحياة اليومية، يمكن أن تتجلى مهارة الاستماع الفعال في العلاقات الأسرية، حيث تساهم في تعزيز الروابط وتنمية الفهم المتبادل. كما يمكن توظيف التخطيط الاستراتيجي كأداة قوية لإدارة الأهداف الشخصية، مما يسهم في رفع مستوى جودة الحياة إلى آفاق جديدة.
في الحياة الزوجية
تُعد المهارات الحياتية العمود الفقري لنجاح الزواج، إذ تمنح الأزواج القدرة على نسج علاقة متينة قادرة على مواجهة تقلبات الحياة ومتطلباتها. إن استثمار الوقت والجهد في تنمية هذه المهارات لا يُحسن فقط من جودة الحياة الزوجية، بل ينعكس بشكل إيجابي على الأسرة بأسرها، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وسعادة. فهي تزود الأزواج بالأدوات اللازمة لمواجهة تحديات الحياة اليومية، وتساعد على تأسيس شراكة راسخة تنبني على الفهم والتفاهم المتبادل.
تحسين التواصل بين الزوجين عبر
التعبير الواضح عن احتياجاتهما ومشاعرهما بشكل مفهوم
والاستماع الفعال حيث تساعد على فهم وجهات النظر المختلفة دون أحكام مسبقة.
وإدارة الحوارات الصعبة والمواضيع الحساسة بطرق بناءة
وتعزيز حل النزاعات عبر التفاوض
لإيجاد حلول وسط ترضي الطرفين
والتحكم في الانفعالات وأهمية إدارة الغضب في أثناء الخلافات
والتسامح والقدرة على تجاوز الأخطاء والعفو
تعتبر المهارات الزوجية من الأمور الأساسية، وأحد أهم جوانبها هو تحقيق التوازن العاطفي من خلال عدة عوامل، وهي
– الذكاء العاطفي: إدراك مشاعر الشريك والتعاطف معه.
– إدارة الضغوط: التكيف مع ضغوط الحياة دون تأثير سلبي على العلاقة.
– التعبير عن المشاعر: المشاركة بالأحاسيس الإيجابية والسلبية بطرق صحية.
كما من المهم جدا تنظيم الحياة المشتركة مثل
إدارة الموارد المالية
وتقسيم المسؤوليات وإدارة الوقت لإيجاد وقت لهما معا دونا عن باقي الناس والمسؤوليات
المهارات الحياتية الأكثر تأثيراً في الزواج هي
مهارات التواصل (اللفظي وغير اللفظي)
حل المشكلات بطريقة إبداعية
التكيف مع التغيير (كالانتقال أو إنجاب الأطفال)
الصبر وضبط النفس
التعاطف والقدرة على وضع النفس مكان الشريك
المرونة في تقبل الاختلافات
إدارة الأزمات في المواقف الصعبة
التحديات التي تساعد المهارات الحياتية في التغلب عليها
– الخلافات اليومية حول الأمور المالية أو التربية
– فترات التوتر بسبب العمل أو الضغوط الخارجية
– الروتين وتراجع المشاعر مع مرور الوقت
– الاختلافات الشخصية في الطباع والاهتمامات
– التغيرات الكبيرة كالإنجاب أو التقاعد
كيفية تطوير هذه المهارات لتحسين الحياة الزوجية
1. الوعي الذاتي: تقييم نقاط القوة والضعف في المهارات الشخصية.
2. التدريب المشترك: مشاركة الشريك في ورش عمل عن العلاقات الزوجية.
3. القراءة: الاطلاع على كتب تنمية المهارات الزوجية
4. طلب المساعدة: اللجوء إلى استشاري علاقات زوجية عند الحاجة.
5. التطبيق العملي اليومي: تطبيق المهارات في المواقف الحياتية.
لا يسعني في مقال واحد محدود المساحة أن أتناول جميع الجوانب المتعلقة بالمهارات الحياتية الشخصية كونها متعددة ومتفرعة وجميعها هامة، وتحتاج إلى سرد وتفسير، إلا أنني أستطيع أن أقول.
المهارات الحياتية ليست رفاهية، بل ضرورة في عصر يتسم بالتعقيد والتغير السريع. تمكين الأفراد من هذه المهارات يعني استثمارًا في رأس المال البشري، مما ينعكس على تقدم المجتمعات وازدهارها لذلك، فلنشعل شمعة عبر هذا المقال لتسليط الضوء على هذا الموضوع لنشتغل على أنفسنا، وننمي مهاراتنا حتى نكون على مستوى متقارب ومتجانس مع الأشخاص الذين نتعامل معهم على نحو مباشر ويومي، وإن لم نفتح أن نكون معهم على نفس الخط، فلنحسن التعامل مع الاختلاف، ونتقبل الآخرين ونحاول أن نصلحهم ونصلح أنفسنا، وإن لم نفلح فلنتبنى الرضا الداخلي والسلام النفسي