صدى الشعب – د.محمد نصرالله فرج
لم يكن خبر انسحاب المنتخب الأردني للشباب من مواجهة منتخب الكيان الصهيوني في بطولة كأس العالم لكرة السلة في سويسرا مجرد تفصيل عابر في روزنامة رياضية. بل كان حدثا عابرا للملعب، نافذا إلى عمق الوجدان الشعبي، ومعبرا عن هوية وطنية ما زالت ترى في فلسطين قضية لا تقبل النسيان، ولا تخضع للمساومة.
جاء هذا الموقف ليؤكد أن الأردن، رغم ما يحيط به من ضغوط ومحاولات تطبيع متصاعدة في المنطقة، ما زال متمسكا بخط أخلاقي راسخ ،لا تعامل مع المحتل، لا مصافحة مع القاتل، ولا قبول بأي حضور يضفي شرعية على من يغتصب الأرض ويقمع الإنسان.
الانسحاب لم يكن لحظة انفعال أو قرارا منعزلا عن سياق، بل هو استمرار لموقف طويل ومتجذر في السياسة الأردنية، ظل الصوت الرسمي والشعبي موحدا في دعم الشعب الفلسطيني ومناهضة الاحتلال، سياسيا، إعلاميا، وثقافيا، واليوم رياضيا.
فالرياضة، وإن حاول البعض تحييدها، ليست بريئة من رسائل السياسة. كل مباراة تبث، وكل نشيد يعزف، وكل علم يرفع، هو فعل رمزي يحمل معنى. والمشاركة مع الكيان المحتل ليست مجرد لعب بل في نظر كثيرين منح شرعية ضمنية، والتطبيع من بوابة الرياضة أخطر لأنه ناعم، يتسلل إلى القلوب بلا مقاومة.
انسحب الأردن لأن اللعب مع الاحتلال يعني تهميش الدم الفلسطيني، وتطبيع الجريمة، ومحو الذاكرة. انسحب لأننا لا ننسى الشهداء، ولا الأطفال الذين يسحبون من أسرتهم بالقوة، ولا البيوت التي تهدم فوق رؤوس أهلها، ولا الحصار، ولا الجدار، ولا الاستيطان.
اللاعبون الأردنيون الشباب، لم يكونوا بحاجة إلى دروس في الجغرافيا أو التاريخ، لأنهم يعرفون جيدا من هو الخصم الحقيقي، ومن العدو الذي لا يزال يحتل الأرض ويعتقل الأمل. موقفهم كان انعكاسا لتربية وطنية، ولمشهد سياسي وشعبي يرى في كل مواجهة مع الاحتلال فرصة للتذكير بأن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن الكرامة ليست بندا يمكن تعديله في قانون اللعبة.
التحية لاتحاد كرة السلة الأردني، الذي لم يتذرع بالمنافسة ولا بنقاط الترتيب، بل اختار أن ينحاز للأعلى للضمير. والتحية لكل من ساند ودافع ورفع صوته دعما لهذا القرار، في وقت يحاول فيه البعض تزييف الوعي وتمييع المبادئ.
لقد حظي هذا الموقف بتقدير واسع، محليا وعربيا، ليس فقط لأنه قرار وطني، بل لأنه يعيد تعريف البطولة في زمن الالتباس. البطولة ليست في اللعب مع من يحتل، بل في مقاطعته. البطولة ليست في عدد النقاط، بل في نقاء الموقف. والذهب الحقيقي لا يعلّق على الرقبة، بل في التاريخ.
هكذا هو الأردن، قيادة وشعبا؛ يختار الانحياز للحق، لا يهادن في قضايا الأمة، ولا يقايض على المبادئ. فلسطين ليست عبئا في الحسابات الأردنية، بل مسؤولية أخلاقية وسياسية، ووجع لا يسقط بالتعود. والانسحاب هنا، لم يكن تراجعا، بل تقدّما إلى الأمام إلى حيث لا يمكن للكرامة أن تُساوم.