بيان بغداد: ما بين السياسي والاقتصادي

الصياغة المحكمة، شكلا ومضمونا وشمولية في الطرح، للبيان الثلاثي، الذي صدر في ختام القمة التي جمعت جلالة الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مطلع هذا الاسبوع في بغداد، وهي الرابعة من نوعها، تؤسس لمنهجية عمل متكاملة بين الدول الثلاث في العديد من المناحي. إلا أن حجر الزاوية فيما تقدم يكمن في المضي قدما والبناء على ما جاء في البيان، والذي سيشكل، مع مرور الوقت، علامة فارقة في التعاون العربي المشترك، الذي طالما حلمنا به لنراه واقعا نتمنى أن يستمر.
وعند التحليل، فإن أول ما يلفت نظر المتابع للبيان هو حرص الدول الثلاث في التعبير، صراحة ومن دون لبس أو حاجة للتأويل وبقراءة واقعية، عن دعم كل منها للقضايا التي تصب في المصلحة الوطنية العليا لكل دولة أخرى، وذلك تعزيزا للتوافق السياسي مدخلا لتوافقات اقتصادية على مختلف الصعد، وهذا بيت القصيد.
ومن ذلك مثلا، تأكيد البيان على “ضرورة تفعيل الجهود لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يلبي جميع الحقوق للشعب الفلسطيني ونيل مطالبه المشروعة للحصول على دولته المستقلة على خطوط الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية”. هذا يصب، وبشكل مباشر، في دعم الأسس التي ينطلق منها الأردن استراتيجيا لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، وبما يحمي مصالحه العليا. أضف إلى ذلك ما ورد في البيان من دعم “للوصاية الهاشمية التاريخية في حماية المقدسات” في مدينة القدس، والذي يشكل حقا هاشميا لا يقبل الأردن، الرسمي والشعبي، المساس به لا من قريب أو بعيد. وفي ذلك رسائل إلى أطراف إقليمية عديدة. هذا مع الإشارة إلى الأمثلة الأخرى، التي وردت في البيان، والخاصة بدعم القضايا التي تهم بغداد، ومنها مساندة جهود الحكومة العراقية في محاربة الإرهاب وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، والقاهرة، من مساندة مصر في موقفها من قضية سد النهضة، وبما يحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان، وغير ذلك.
سياسيا أيضا جاء البيان بلغة دبلوماسية توافقية عند الحديث أولا: عن تكاملية الأدوار وتناغمها بين الأردن ومصر في الشأن الفلسطيني، باعتبارهما الأقرب تاريخيا وجيوسياسيا للقضية الفلسطينية، وثانيا: حول تطورات الأوضاع سواء في سورية أو ليبيا أو اليمن. ولعل الهدف من كل ما تقدم، كما تمت الإشارة إليه، أن تكون الأرضية السياسية المشتركة في المواقف جاهزة للانطلاق نحو التعاون الاقتصادي الحقيقي.
لذا جاء البيان، وفي شقه الثاني، بنوع من التفصيل في تناول العديد من قضايا التعاون الاقتصادي. ومنها: “زيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز الجهود في المجالات الصحية والصناعية والدوائية… والسير بالإجراءات اللازمة للبدء بتنفيذ مشروع المدينة الاقتصادية العراقية – الأردنية المشتركة… وتعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث… وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن… وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة – العقبة)… والعمل على اعتماد مذكرة التفاهم المقترحة من قبل الجانب الأردني لتأطير التعاون والتكامل الصناعي بين البلدان الثلاثة… والتعاون في المجال الزراعي والأمن الغذائي… وتشجيع الاستثمار في قطاع الإسكان والطرق والجسور ومشاريع البنى التحتية في الدول الثلاث… وتفعيل حركة النقل والشحن عبر ميناء نويبع / العقبة حتى معبر الكرامة / طريبيل”، وغير ذلك الكثير.
هذا الحجم الضخم من التفصيل في الطرح الاقتصادي يحمل العديد من الرسائل، والتي قد تكون أهمها أن القمة الثلاثية تؤسس لبزوغ تكتل اقتصادي عربي سيكون له شأن في مقبل الأيام. ولعله يكون نواة لسوق عربية مشتركة أو لاتحاد اقتصادي عربي مستقبلا يضم دولا عربية أخرى.
وحينئذ قد يكون الاقتصاد مظلتنا لولادة حقيقية للتضامن العربي بعد أن فشلنا سياسيا في ذلك عبر السنين. فهل يكتمل الحلم العربي؟ ليكن الأمل والعمل بوصلتنا في زمن كورونا الصعب.

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security