صدى الشعب – تساءل وزير القطاع العام الأسبق، د. خليف احمد الخوالدة، عن تأخر إصدار النشرة المالية الحكومية لشهور الـ3 شباط و آذار و نيسان 2024، و التي تتولى أم إصدارها وزارة المالية.
و قال الخوالدة في مقالٍ وصل لـ”صدى الشعب” نسخة منه: ” تُصدر وزارة المالية نشرة مالية شهرية، ولكن النشرة المالية لشهر شباط ٢٠٢٤ لم تصدر إلا عند كتابة هذه السطور مع أننا لم نعهد أن تأخر اصدارها خلال السنوات الماضية كل هذه المدة، فهل من أسباب؟ وما هي هذه الاسباب التي ادت إلى هذا التأخير؟ وبالتالي لم تصدر النشرة المالية لشهر آذار وكذلك لشهر نيسان.
لهذا، اقترح على الحكومة عدم التأخر في اصدار النشرات المالية – قدر الامكان – لما فيها من بيانات ومؤشرات تستخدم في رسم السياسات.
التصنيف الائتماني لأي دولة يعكس مستوى الانطباع الذي تكونه الجهات الدولية المختصة بالتصنيف من خلال عمليات البحث وتحليل السياسات والبيانات وهو في ذات الوقت يعطي مؤشرا عن الوضع الاقتصادي بشكل عام والانطباع عن السياسات وخصوصا السياسة النقدية والانطباع عن القطاع المصرفي وعن دور القطاع الخاص في استدامة الأعمال وسلاسل التزويد.
لاشك في أن التحسن الطفيف الذي طرأ على التصنيف الائتماني (موديز) للأردن أمر طيب، إذ تُشكر القطاعات التي ساهمت في تكوين هذا الانطباع. ولهذا التصنيف بكل تأكيد انعكاسات إيجابية طفيفة خصوصا على فرص الاقتراض أمام الحكومة وأسعار الفائدة على الاقتراض.
نتمنى أن يتقدم التصنيف الائتماني للأردن عدة درجات بما يضمن الانتقال إلى مجموعة أفضل من حيث المخاطرة حينها تكون الانعكاسات أفضل.
لابد من معرفة جملة من المعطيات قبل الخروج بأي انطباع إيجابي أو سلبي عن نتائج وانعكاسات أي تصنيف ائتماني، منها ما هو نطاق البحث والتحليل الذي قام عليه التصنيف؟ وما هي معاييره؟ وأدواته؟ وما هي المعطيات التي استند إليها ذلك التصنيف؟ وما هي البيانات التي اعتمد عليها؟ ومصادر هذه البيانات؟
بالنسبة لتصنيف موديز، ما هي القطاعات التي كان لها الدور الملموس في نتائج التصنيف؟ وماذا عن دور السياسة النقدية؟ وماذا عن دور الجهاز المصرفي والقطاع الخاص بشكل عام؟ وماذا عن دور الاحتياطيات من العملات؟ وماذا عن دور الودائع في البنوك؟ وماذا عن دور الموجودات؟ وهل كان للسياسة المالية أثرا ملموسا على التصنيف؟
وهل من أثر لاستثناء ديون الضمان الاجتماعي من أرقام الدين العام على التصنيف؟ وهل أُخذت أرقام الدين العام ومؤشراته بعين الاعتبار في التصنيف؟ وماذا عن دور رفع الرسوم والضرائب من باب الفهم الحكومي للاعتماد على الذات؟ وماذا عن أثر التوسع الحكومي في اصدار السندات على ذلك التصنيف؟
وهل اعتمد التصنيف على معطيات قديمة أم حديثة؟ تطرق التصنيف لفترة وباء كورونا، فهل من نظرة إلى الأمام؟
وهل مع التصنيف الجديد بقينا في نفس المجموعة أم انتقلنا إلى مجموعة أفضل؟ هناك فرق بين (Ba3) وبين (Baa3) مثلا. وهناك فرق بين نظرة مستقرة ونظرة إيجابية.
هل يصح الاعتماد على التصنيف الائتماني للحكم على الاداء العام؟ وهنا اقترح على الحكومة عدم الأخذ بنتيجة تصنيف دون آخر، ولا الانتقائية في الحديث عن نتائج تصنيف دون آخر.
حتى لو تراجع أي تصنيف – لا قدر الله – لابد للحكومة من الحديث عنه، فالشفافية تتطلب الحديث عن التصنيفات سواء تحسنت أو تراجعت وما سيُتخذ حيال ذلك من سياسات أو إجراءات وذلك من باب مؤسسية الاداء ومن باب حق المواطن في معرفة ما يهم وطنه ومستقبل الأجيال.
الحكمة تتطلب أخذ عدد من التصنيفات الائتمانية التي تصدر عن جهات دولية متخصصة بعين الاعتبار ودراستها وتحليلها بصورة مجتمعة وبشكل دوري والحديث عنها بمسؤولية دون اجتزاء أو تكييف حتى يستفاد منها في عملية رسم السياسات وصنع القرار.
للحكم الموضوعي على الاداء العام، لابد من الرجوع إلى ما إذا انخفض او ارتفع العجز في الموازنات وما إذا انخفض او ارتفع بند خدمة الدين في الموازنات وما إذا توسعت او تقلصت نسبة الانفاق الجاري في الموازنات ومعدل الزيادة في الدين العام مقارنة مع الفترات السابقة وما إلى ذلك. لابد من أن يكون التقييم بالأرقام والشواهد الحية والمعززات.
مرة أخرى – وللأهمية – أقول لا يوجد مؤشرات للحكم على الاداء العام مهما كانت، أدق من اجراء تحليل ومقارنات لمعدلات النمو أو التراجع في أرقام المديونية وخدمة الدين والعجز ومدى الضبط أو الانفلات في الهياكل والانفاق وفرص العمل ومستويات الخدمات وعلى رأسها التعليم والصحة والنقل. كما أن اداء القطاع الخاص مؤشر على الاداء العام.
وعلى ذكر القطاع الخاص، لا يقاس الانجاز دائما بمجرد ارتفاع الارباح فربما تكون على حساب الناس. قد ترتفع ارباح قطاع كالقطاع المصرفي مثلا وترتفع بالنتيجة الايرادات الضريبية، ولكن ربما يكون كل ذلك على حساب القدرة الشرائية للناس وهذا بطبيعة الحال ينعكس سلبا على مستوى المعيشة وحركة الاقتصاد. مفاد القول انه لا يصح الحكم على أي نتائج خصوصا المالية منها دون تحليل المسببات.
شاركت قبل سنوات قليلة في مؤتمر دولي خارج الأردن كمتحدث رئيسي وطلبت مني الجهة المنظمة للمؤتمر أن أتحدث عن المرتكز الأساس في الاداء الحكومي وتحديد أهم عاملّي نجاح فيه.
تلخصت مداخلتي حينها في أن المسؤول، أي مسؤول، هو المرتكز الأساس وعاملي النجاح ينحصرا في النضوج الفكري والسلوكي للمسؤول وأن يكون قدوة في الاداء والسلوك. فهذا يضفي على المسؤول الحكمة والهدوء والاتزان وهنا اتحدث بشكل عام. ويمده أيضا بقوة التأثير الإيجابي على مرؤوسيه. وإذا ما غاب احدهما او كليهما، لا يستقيم الحال.
اقترح على المسؤول الاطلاع على ما تم في الماضي لأن ذلك يقود إلى البناء على ما كان وتراكمية البناء وتجسير الفجوات وتصويب الانحرافات ويحول دون اعادة اجترار ما كان.
اقترح على المسؤول تقبل النقد البناء بل والترحيب به والحث عليه لأنه عين فاحصة تلقي الضوء على مواطن الخلل والضعف والقصور وبالتالي تقدم استشارة غير مدفوعة ربما تخطىء وقد تصيب. وعليه، لابد من التعامل معها بموضوعية وارتياح وانفتاح.
من المعروف أن جودة الاداء لا تتحقق مع النزق والانفعال ولا مع تكميم الافواه وإنما بالانفتاح المبني على الثقة بالذات. أما غياب النهج المهني، يعيدنا سنوات بل عقود إلى الوراء ولا يخدم الوطن ولا واقع الحال.
ما يطرحه أصحاب المعرفة والخبرة والاختصاص من ملاحظات أو أفكار، فقد يكون فيها ما يفيد وإما إذا كانت بلا فائدة فلا بأس من تعريتها أمام الجميع إذ لا مجاملة على حساب مصلحة الوطن.
تأتي هذه الملاحظات والتوضيحات والاقتراحات من باب المسؤولية الوطنية التي يتقاسمها الجميع. وإذ أقول هذا، لأتمنى على كل مسؤول أن يتعامل معها بإيجابية وأخذ مضامينها بمنتهى الارتياح. أما على المستوى الشخصي، فللجميع كل الاحترام.
كان لابد من الإشارة إلى جملة مقومات تقود، من وجهة نظري، إلى النجاح لغايات تعزيزها والتصدي لما قد يواجه المسيرة من تحديات أو قد يعتريها من إخفاقات.
خلاصة القول، نتوق إلى أي إنجازات حقيقية وننحني احتراما لصانعيها، ولكننا بكل تأكيد لا نشتري الوهم على إنه إنجاز ولا نعتد بأي نتائج لا يلمسها الناس أو أنها تحققت على حسابهم، كما أننا لا نقبل أن تُجّير إنجازات قطاعات لقطاعات أو لأشخاص، وبالنتيجة لا شيء يتقدم على الصدق مع الذات، نعم الصدق مع الذات.