صدى الشعب –كتب عبد الله توفيق كنعان
تُشكل مناسبة ذكرى عيد ميلاد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله في الثلاثين من يناير الخير، مناسبة وطنية غالية نستذكر فيها وبكل اعتزاز وفخر مسيرة التنمية الشاملة، ومواقف الدفاع عن قضايا أمتنا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وجوهرتها مدينة القدس، والمواقف الهاشمية وتضحياتهم لأجل فلسطين والقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية تتصدر الجهود الأردنية المعروفة عبر عقود مشرفة من النضال لاجل كل شبر من فلسطين، وقد اعلنها المغفور له الملك الحسين بن طلال في خطاب عميق الدلالات خصه بمناسبة ميلاد الملك عبد الله الثاني جاء فيه :” نذرت عبد الله لخدمة شعبه وأمته”.
ومما لا شك فيه أن الفكر الهاشمي لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ينطلق في مرتكزاته حول القضية الفلسطينية من فكر وتاريخ هاشمي أصيل، يستقي ثوابته من التاريخ والشريعة، فالاحاديث النبوية الشريفة لجده الاعظم الرسول محمد عليه السلام عن بيت المقدس والمسجد الاقصى، وتاريخ الصحابة والتابعين والادارة الاسلامية للمدينة المقدسة وما شملت عليه من عهدة عمرية ورعاية واعمار كلها جزء من النظرة الهاشمية لجلالته ومنطلقاته في رعاية القدس أهلها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، وفي التاريخ الحديث كانت الثورة العربية الكبرى وما سبقها من اعلان جده المغفور له الشريف الحسين التمسك بكل شبر من فلسطين بما فيها القدس، وعلى نهجه كانت جهود المغفور لهم الملك عبد الله الأول والملك طلال والملك الحسين يسانده ولي العهد انذاك سمو الأمير الحسن حفظه الله في الدفاع عن هذه القضية المقدسة، واليوم تستمر المسيرة وتتكلل بجهد اردني يقوده جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني حفظه الله على كافة الاصعدة والمحافل الدولية، وهذا بالطبع مرده الثقة الدولية بحكمة وموضوعية وعدالة طرح جلالته للقضية الفلسطينية من منطلقات تتمسك بالشرعية الدولية وقراراتها المطالبة بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م .
وتتبع تاريخي لجهود جلالة الملك عبد الله الثاني تجاه القضية المركزية الفلسطينية، يكشف عن اهتمام واضح بها ففي كتاب جلالته ( فرصتنا الاخيرة السعي نحو السلام في زمن الخطر)، يقول جلالته :” إنني أولي مسؤوليتي في الحفاظ على الهوية العربية للقدس ورعاية الأماكن المقدسة فيها أعلى درجات الجدية”، وفي خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة الثالثة لمجلس الأمة الثالث عشر بتاريخ 1 تشرين الثاني 1999م قال جلالته :” اننا نؤمن أن القضية الفلسطينية هي لب الصراع في المنطقة، ولن يتحقق السلام المنشود، دون تسوية هذه القضية تسوية عادلة “، هذا الصوت الهاشمي لم يكل أو يمل في ايصال معاناة الشعب الفلسطيني ومطالبهم العادلة في المؤتمرات الدولية واجتماعات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والكونغرس وكل صرح دولي لم يفوت جلالته فيه فرصة لقائه بقادة وزعماء وساسة العالم الا وفلسطين والقدس هي محور الحديث والمطالبة المتكررة من جلالته بنصرة شعبها وحماية مقدساتها وانهاء الاحتلال عنها .
ولأن القدس كما قال جلالة الملك عبد الله الثاني خط أحمر ، وجوهر لاءات جلالته الثلاث المؤكدة على عدة أمور هي “لا للتوطين ولا للوطن البديل والقدس خط أحمر”، فقد استمر جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في حمل أمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وقيادة الجهود السياسية والدبلوماسية الأردنية المتصلة بفلسطين والقدس، كما شملت جهود جلالته اعمار المقدسات الإسلامية والمسيحية والاهتمام بالأوقاف الإسلامية في القدس، ففي تاريخ 2 شباط عام 2007م وبأمر من جلالته تمّ إعادة منبر صلاح الدين إلى مكانه في المسجد الأقصى المبارك، وفي عام 2007م أمر جلالته بإنشاء الصندوق الهاشمي لاعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، وفي عام 2012م تمّ إنشاء وقفية باسم وقفية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام الغزالي ومنهجه، وفي عام 2016م أمر جلالته بترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة، وفي 2017م جاء ترميم كنيسة الصعود على جبل الزيتون وبتوجيهات مباشرة من جلالته أيضاً، وفي عام 2022م تمّ تأسيس وقفية المصطفى لختم القرآن الكريم في المسجد الاقصى المبارك، وفي عام 2024م جاءت منحة جلالته لتذهيب قبة الصخرة المشرفة.
ولا شك أن هذه الجهود المرتبطة بالوصاية الهاشمية والتي تأكدت باتفاقية الوصاية الهاشمية عام 2013م بين صاحب الوصاية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وفخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي استندت في صياغة بنودها على مبايعة أهالي فلسطين والقدس للشريف الحسين بالوصاية عام 1924م، والتي أيدها أيضاً التأكيد المتكرر عليها عربياً وإسلامياً وعالمياً وهذا ما تعكسه جميع البيانات الختامية لقمم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والكثير من اللقاءات والمؤتمرات الدولية المختلفة، جميعها تأتي في سياق دولي يعبر عن أهمية الوصاية في الحفاظ على الوضع التاريخي القائم ( الاستاتيسكو)، كما يعبر عن أهميتها استحقاق جلالته للعديد من الجوائز العالمية المعنية بالسلام والتعايش والعمل الانساني الحضاري الكفيل بنشر قيم الخير والمحبة والعدالة، ومنها جائزة تمبلتون 2018 وقد خُصص وبتوجيهات من جلالته جزءاً منها لترميم كنيسة القيامة، وجائزة مصباح السلام 2019م وجائزة رجل الدولة الباحث 2019م .
واليوم كان لموقف جلالته المساند لاهلنا في غزة بارسال المساعدات الانسانية الاغاثية براً وجواً الاثر الكبير في صمودهم ونضالهم طوال 471 يوماً من العدوان الاسرائيلي علماً بان المستشفيات الميدانية العسكرية الاردنية تعمل في غزة منذ عام 2009م، الى جانب مواصلة جلالته وعبر كافة القنوات الدبلوماسية الدولية الدفاع عن القضية الفلسطينية والمطالبة باحلال السلام العادل والزام اسرائيل بقرارات الشرعية الدولية .
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس بهذه المناسبة الطيبة ، تتقدم من حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الامين الامير الحسين بن عبد الله الثاني ومن العائلة الهاشمية والاسرة الاردنية الواحدة بأسمى عبارات التهنئة والمباركة، وتؤكد اللجنة أن القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية في ضمير وقلب وجهد جلالته الدؤوب على الدوام، وستبقى كما قال جلالته ” قدس العروبة اولوية اردنية هاشمية ” مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، فكل عام وجلالته بالف خير والاردن وفلسطين والقدس بالف خير .