صدى الشعب – اختتمت في العاصمة الدوحة فعاليات مهرجان قطر الدولي للصقور والصيد في نسخته الثالثة عشرة (مرمي 2022)، بحفل تتويج الفائزين في بطولة المزاين للصقور الذي أقيم في المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا”.
ووزعت الجهة المنظمة جوائز معتبرة على الفائزين تقدر بالملايين، في تأكيد على عراقة هذه الرياضة والهواية التي تضرب بجذورها في عمق المجتمعات الخليجية.
وحضر الحفل عدد من الشيوخ والوزراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين لدى الدولة ومجلس إدارة جمعية القناص القطرية وعدد من الصقارين من قطر ومن الدول الخليجية وضيوف المهرجان.
وقام الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني راعي المهرجان، بتتويج الفائزين في مختلف بطولات المهرجان والتي شملت (هدد التحدي، والدعو بفئاته المختلفة (قرناس حر، فرخ حر، قرناس شاهين، جير حر، جير شاهين، الدعو الدولي لفئتي الحر والشاهين، وشوط النخبة، وبطولة الطلع، وبطولة هدد السلوقي، وبطولتي الصقار الصغير والصقار الواعد).
نجح مهرجان مرمي الدولي للصقور والصيد في تأكيد حضوره دائماً كأهم مهرجان لجمعية القناص القطرية يقام بشكل سنوي وتحرص الجمعية على تطويره باستمرار لأهميته في الحفاظ على تراث الصقارة في قطر، كما أنه يلبي حاجات الصقارين من وجود منافسات قوية وجوائز كبرى تسهم في المحافظة على تراث الآباء والأجداد.
وقال عبدالله حمد المحشادي، رئيس لجنة المزاين، إن مستوى المنافسات في بطولة المزاين هذا العام كان قوياً بسبب تقارب المستوى، حيث أن الحكام كانوا في حيرة من أمرهم في تحديد المراكز الثلاثة الأولى في كل فئة، مشيراً إلى أن صعوبة التقييم ترجع إلى تقارب المواصفات الجمالية بين الطيور، حيث لا يوجد طير يحتكر كافة المواصفات الجمالية. ففي العشرة الذين يتم اختيارهم أولاً من قبل اللجنة تجد في كل منها جمالاً خاصاً.
وتحظى هواية “القنص” (الصيد بواسطة الصقور) وكذلك اقتناء الصقور باهتمام متزايد في قطر امتداداً لما اشتهرت به دول الخليج العربي عبر العصور. وما زال القطريون يمارسون هذه الهواية التي توارثتها الأجيال المتعاقبة في منطقة الخليج العربي وخارجها، حيث الصيد يكون مناسباً وقانونياً، وتحظى باهتمام كبير من بعض الشخصيات المعروفة أو الجهات العامة والخاصة في الدولة وتنتشر الأسواق الخاصة بها والمراكز الطبية المتخصصة في تربيتها وعلاجها.
ويمثل الصقر في قطر مكانات متعددة، مثل حيوان أليف للعائلة أو رمز للقيمة الاجتماعية أو منافس سباقات، لكن الصقور تمثل رابطاً مهماً وقيماً لثقافة المنطقة، حتى قال أحدهم مبالغا، بأن القطريين يعتنون بصقورهم تماماً بنفس الطريقة التي يعتنون بها بأطفالهم.
يوضح المحشادي، أن معايير التحكيم في بطولة المزاين ترجع إلى مجموعة من العوامل وهي أولاً مجموعة تتعلق بالظهر وتمثل 15 في المائة، وفيها تناسق أعضاء الصقر بشكل عام وعرض منطقة الظهر وخفة ريش الصقر ولونه فكلما زاد بياض لون أطراف الريش زاد جماله، فضلاً عن صغر عرض ريش الصقر وصغر الريش الموجود في منطقة الظهر، بالإضافة إلى تناسق وانسياب أطراف جناح الصقر مع جسمه.
والعامل الثاني في جماليات الصقور يتعلق باللون ويمثل 40 في المائة، فكلما غلب لون البياض على الرأس زاد جمال الصقر، وكلما زاد غلب اللون الأبيض على صدر الصقر كذلك، فضلاً على أطراف ريش الصقر وكلما خلا ظهر الصقر من الدق أو النمش أو النقاط زاد من صفاوة الريش. مؤكدا أن هذا الأمر يخص الصقر الحر.
وأشار إلى أن وجود عنصر الكف أيضا من العناصر التي تعزز جماليات الصقور وتمثل 10 في المائة.
ومن أهم العناصر الجمالية في تحكيم المزاين، الرأس وتمثل 15 في المائة وفيها تناسق حجم الرأس مع جسمه واللحف وهو الجزء الذي يقع أعلى العين فكلما غلبت عليها صفة الغلظة والبروز زادت من جمال الصقر، وكذلك منطقة الشيك والمؤخر والعين وفيها سعة العين وجمالها والمدامع.. فكلما صفت منطقة مدامع العين زاد الجمال.
ومن عناصر تحكيم الجماليات منطقة النحر، وتمثل 15 في المائة وترتبط بجماليات العلاف، وهو طول الرقبة وكذلك عرض الصدر وكبر المناكب والثندوة وتعني عرض منطقة الصدر وبروزه للخارج.
ومن الجماليات في المزاين أيضاً منطقة الكف وتمثل 10 في المائة، وفيها زيادة وطول ريش الفخذ للأسفل وكلما كبر حجم إصبع الصقر وسمكه زاد جمال الصقر وكذلك تباعد سيقان الصقر وكبر حجم الساق، وجود ريش على كتف الصقر وسمك وانسياب مخلب الصقر مع الإصبع وكلما كبر حجم فخذ الصقر وامتلأ كل ذلك عناصر مهمة في التحكيم في جماليات ومزاين الصقور.
وعن مزاين الشاهين، أوضح المحشادي أن جمالية الرأس تمثل 20 في المائة، سواء من حيث حجم الرأس وسعة العين وجمالها، والقحف، والضبة والمنخر.. بينما النحر يشكل نسبة 25 في المائة، وذلك بمراعاة العاتق وكبر المناكب والثندوة، فيما يشكل الظهر نسبة 15 في المائة، مع مراعاة عرض السابعه (عرض منطقة الظهر لدى الصقر)، ودق الريش (حجم ريشة الظهر) وسبلة الجناح ويقصد بها انسياب أطراف جناح الصقر وتناسقه مع جسمه، ثم الذيل الذي كلما تناسق مع جسمه زاد من جماله.
وأشار إلى أن الكف عليه نسبة 20 بالمائة، ويتألف من حجم الأصبع وطوله، فكلما زاد سمكه وطوله زاد من جمال الصقر، وحجم الساق (الغلظ)، إذ أن كبر الساق (سمكها) ومتنها عامل مهم، فضلا عن فخذ الطير، الذي كلما كبر حجمه وامتلأ زاد من جمال الصقر، في حين أن اللون يشكل نسبة 15 في المائة، إذ يعتمد تقييم اللون حسب نوع الصقر، ويبقى رأي الحكم الذي يمثل 5 في المائة.
من جانبه أكد الدكتور خالد بن إبراهيم السليطي المدير العام للمؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” نجاح مهرجان مرمي الدولي الثالث عشر للصقور والصيد في ترسيخ حضوره محلياً وإقليمياً ودولياً كواحد من أهم الفعاليات التي تحافظ على التراث القطري، كما نجح المهرجان في أن يكون أحد أهم الفعاليات المهمة التي تقام في البلد بهدف الحفاظ على تراثها وهويتها.
وأشار إلى أن المهرجان استطاع أن يستقطب الصقارين وكذلك هواة الصيد والقنص ليكون لهم حدثاً سنوياً يلتقون فيه ويتبادلون الخبرات في هذا المجال ويتنافسون بكل نزاهة وشرف في مختلف البطولات، لافتاً إلى أنه مما يعطي دفعة قوية للمهرجان هو تقديمه للجديد دائماً من قبيل إضافة أشواط جديدة أو إدخال أنواع أخرى في بطولة المزاين والتي لها قيمتها ومكانتها في مهرجان مرمي الدولي والذي يتوج المهرجان الفائزين فيها.
ونوه إلى أن مهرجان مرمي لهذا العام شارك فيه عدد كبير، فاق 1400 صقراً، ما جعل اللجنة المنظمة ترفع سقف الجوائز؛ وأعرب الدكتور السليطي على خالص تهانيه لكل المتوجين في بطولة المزاين وكافة بطولات مرمي 2022.
بدوره أشاد علي بن خاتم المحشادي رئيس مهرجان مرمي الدولي ورئيس جمعية القناص بمستوى المنافسة في بطولة المزاين هذا العام وفي جميع البطولات، موضحاً أن المهرجان مناسبة يتجمع فيها أندر الطيور وأطيبها، حيث تم تثبيت شوط الحر (تفريخ) كشوط أساسي من أجل مساعدة أصحاب المزارع القطرية لإنتاج هذه الفئة النادرة من الصقور.. بالإضافة إلى فئة “الشاهين” هذا العام كشوط مصاحب.
من جهته قال محمد بن عبداللطيف المسند نائب رئيس جمعية القناص القطرية ونائب رئيس مهرجان مرمي بأن بطولة المزاين، دائماً ما يكون لها طعم خاص، حيث أن أجمل الصقور تتنافس فيما بينها، وهامش المفاضلة بينها قليل جداً لا يعلمه إلا أهل الاختصاص، حيث إن اللجنة المنظمة للمهرجان، تسعى جاهدة بأن تجلب محكمين على مستوى عالي داخليا وخارجيا.
وقال الشيخ سعود عبدالعزيز آل ثاني الفائز بالمركزين الأول والثالث في بطولة المزاين فئة حر الوحش، والمركز الثاني في حر التفريخ في تصريح له: أهتم باختيار الصقور المشاركة في كل عام لأن المنافسة تكون قوية، لأنها أبهى الصقور جمالاً في مختلف الفئات. وبالتالي تحتاج إعداداً جيداً والحمد لله على توفيقه، مشيراً إلى أن مهرجان مرمي من أقوى المهرجانات في المنطقة وله اهتمام من مختلف الدول وبالتالي التتويج فيه يكون مهما لأهل الشواهين.
من جانبه قال الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، إن مهرجان مرمي الدولي للصقور والصيد يعتبر امتداداً لكثير من الفعاليات والمهرجانات التي تقام في دولة قطر في إطار جهود الدولة المستمرة في الحفاظ على التراث القطري بكل مكوناته من تراث بري أو بحري وكذلك التراث الشعبي.
ويضيف: “اليوم نرى جانباً مهماً من تراثنا في البر يضاف إليه مهرجانات وبطولات أخرى مثل القلايل التي ستقام في فبراير/ شباط المقبل، فكل هذه الفعاليات والتي تم تخصيص جوائز كبرى للفائزين فيها جعلها جزءاً من حياتنا اليوم لنفخر بها، مؤكداً أن اهتمام الدولة بهذا التراث يأتي في إطار ترسيخ الهوية الوطنية، وفي إطار الاهتمام بالثقافة والتعليم وبكافة العناصر التي تشكل الهوية الوطنية على ضوء الرؤية الوطنية للدولة”.
واستطرد: “ما يثلج الصدر هو إقبال الشباب القطري بأعداد كبيرة على مثل هذه الهوايات التي تعزز الموروث الشعبي وتجعل منه ممارسة حياتية بدل الانغماس في هوايات غير ذات نفع، وانعكاس هذه الهواية على وجود مزارع قطرية تنتج مثل هذه الأنواع من الصقور الجميلة ما يدعم التوازن البيئي والذي يعد ضمن أولويات الدولة أيضا في المحافظة على البيئة، حيث أكد على أن المزارع تعمل على تسهيل امتلاك الصقور بأسعار معقولة، وبالتالي لا يكون هناك صيداً جائراً.
إنعاش لهواية تاريخية
أما الدكتور عمر العجلي محاضر وأستاذ التاريخ والحضارة في كلية المجتمع وجامعة لوسيل فقال: “إن هذه البطولة هي إنعاش لهذه الهواية الحضارية والتاريخية النخبوية ، فالصلة بين هواة الصقور والصقور تدل على أنها هواية نخبوية ووجدت في الحضارات القديمة، وخاصة الحضارة العربية، مشيداً بإحياء دولة قطر لهذه الهواية باحترافية شديدة وتنظيم رائع، فبطولة المزاين ومهرجان مرمي بشكل عام يعتبر تظاهرة تراثية وثقافية”.
تعتبر جمعية القناص القطرية على رأس المؤسسات التي خاطبت منظمة اليونسكو لاعتبار “الصقارة” تراثا لامادي للإنسانية عام 2010، وهي من المؤسسات المعتمدة من قبل اليونسكو للعناية بهذا التراث. ودعمت الجمعية صياغة مذكرة تفاهم للحفاظ على الطيور المهاجرة في آسيا، أوروبا وأفريقيا، لا سيما المهدد منها مثل الصقر الحر.
ويعد مهرجان قطر الدولي للصقور والصيد، من أكبر المهرجانات المتخصصة في مجال الصقور والصيد في المنطقة، ويحظى سنويا بمشاركة واسعة النطاق تتجاوز الآلاف، ويتجاوز إجمالي جوائزه أكثر من مليون دولار، مما يجعله على رأس المهرجانات المتخصصة بالصقارة والصقور على مستوى العالم.