صدى الشعب – بعد تأكيد استشهاده، نشرت كتائب “القسام” الجناح العسكريّ لـحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الصورة الرسميّة للناطق باسم الحركة “أبو عبيدة”، الذي استهدفته إسرائيل في غارة.
كما أعلنت “حماس” عن الإسم الحقيقيّ لـ”أبو عبيدة”، وهو حذيفة سمير عبدالله الكحلوت.
ورغم أن الاسم الحقيقي والصورة الكاملة لأبي عبيدة ظلا طي الكتمان لما يقارب عقدين من الزمن، فإن صوته وحده كان كافيا، في كل مرة يظهر فيها، لإثارة القلق في الاحتلال الإسرائيلي رسميا وشعبيا، الأمر الذي جعله على رأس قائمة الأهداف الإسرائيلية منذ سنوات طويلة.
ويعد أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، من أكثر الشخصيات الفلسطينية غموضا وتأثيرا في المشهد الإعلامي والعسكري، إذ ارتبط اسمه بصوت المقاومة ورسائلها الميدانية، وبالتحولات الكبرى في مسار المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبكوفيته الحمراء وعصبته الخضراء وصوته الحاد، تحولت إطلالاته المصورة إلى محطات ينتظرها الملايين داخل فلسطين وخارجها، لما تحمله عادة من رسائل مفصلية تتعلق بسير الحرب، أو بملفات الأسرى، أو بالتصعيد والتهدئة.
وخلال عامين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، بات لقب “أبو عبيدة” من أكثر الأسماء تداولا على منصات التواصل الاجتماعي، ليس فقط في فلسطين والدول العربية والإسلامية، بل داخل الاحتلال الإسرائيلي نفسه، حيث ارتبط ظهوره بحالة ترقب أمني وإعلامي غير مسبوقة.
ولم يكن الإعلان عن أي خطاب مرتقب له مجرد حدث إعلامي عابر، بل غالبا ما ارتبط بتسريبات أو توقعات حول تطورات حاسمة، سواء فيما يتعلق بالعمليات العسكرية، أو بصفقات تبادل الأسرى، أو بمصير جنود إسرائيليين محتجزين لدى المقاومة.
النشأة والتعليم
ولد أبو عبيدة عام 1984 في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ونشأ في أسرة فلسطينية محافظة داخل المخيم، وهو أب لعدد من الأبناء. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة، حيث حصل لاحقا على درجة الماجستير في تفسير القرآن الكريم.
وانخرط مبكرا في صفوف حركة “حماس” وكتائبها العسكرية مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حيث تدرج في العمل الميداني والإعلامي داخل كتائب القسام.
الظهور الإعلامي الأول
برز أبو عبيدة إعلاميا لأول مرة في تشرين الأول/أكتوبر 2004، خلال معركة “أيام الغضب” التي استمرت 17 يوما، عندما عقد أول مؤتمر صحفي لكتائب القسام، معلنا تفاصيل المواجهات ضد الاجتياح الإسرائيلي لشمال قطاع غزة.
ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الواجهة الإعلامية الأبرز لكتائب القسام، وارتبط اسمه بالإعلانات العسكرية والبيانات المتعلقة بالعمليات النوعية والتصدي للتوغلات الإسرائيلية.
الدور الإعلامي داخل القسام
بعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة عام 2005، تولى أبو عبيدة رسميا منصب الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام، ليشغل لاحقا موقع رئيس دائرة الإعلام العسكري.
وأشرف من خلال هذا الموقع على عدة أقسام، من بينها التوثيق والتصوير، والعمليات النفسية، وإدارة المنصات الإعلامية، وإصدار البيانات المكتوبة والمرئية.
وعلى الرغم من حضوره الواسع، عرف بندرة ظهوره الإعلامي، وحرصه الشديد على الإجراءات الأمنية، إذ عاش في ظروف بالغة السرية لتفادي الاستهداف الإسرائيلي.
في واجهة الحروب
ارتبطت إطلالات أبو عبيدة بالحروب المتتالية على قطاع غزة، حيث كان ظهوره غالبا ما يسبق أو يعقب إعلان إنجازات ميدانية بارزة لكتائب القسام.
ومن أبرز محطاته الإعلامية:
عام 2006: إعلان أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
عام 2014: إعلان أسر الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون خلال معركة حي التفاح شرقي مدينة غزة.
ظهوره في جولات قتال لاحقة مستعرضا أسلحة محلية الصنع وبقايا آليات عسكرية إسرائيلية مدمرة.
آخر ظهور ورسائل تهديد
وكان آخر ظهور مصور لأبي عبيدة بتاريخ 18 تموز/يوليو الماضي، أكد فيه أن فصائل المقاومة جاهزة لخوض “معركة استنزاف طويلة” ضد الاحتلال الإسرائيلي.
كما كانت آخر تدوينة له على منصة “تلغرام”، توعد فيها الاحتلال بدفع ثمن أي خطة لاحتلال مدينة غزة من “دماء جنودها”، مشددا على أن الأسرى الإسرائيليين سيكونون في مناطق القتال، ويعيشون الظروف ذاتها التي يعيشها مقاتلو المقاومة.
وفي عام 2024، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أبو عبيدة بصفته المتحدث باسم كتائب القسام، واعتبرت نشاطه جزءا مما وصفته بـ”دعم الإرهاب”، في خطوة وصفها الفلسطينيون بأنها “ملاحقة سياسية” تضاف إلى محاولات الاستهداف الإسرائيلية.
الروايات الإسرائيلية حول اغتياله
ومع استمرار حرب الإبادة على غزة، صعد الاحتلال الإسرائيلي مزاعمه بشأن اغتيال أبي عبيدة.
وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في 31 آب/أغسطس الماضي في تدوينة عبر منصة “إكس”، إن “الناطق باسم إرهاب حماس أبو عبيدة تم القضاء عليه في غزة”، على حد تعبيره.
كما ادعى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) نفذا عملية مشتركة استهدفت أبا عبيدة.
وزعمت “القناة 12 الإسرائيلية” أن لدى الاحتلال “مؤشرات” على تصفيته، دون تأكيد نهائي، فيما ادعت “القناة 14 الإسرائيلية” أنه تم “تأكيد تصفيته نهائيًا” خلال غارة قرب مخبز في حي الرمال بمدينة غزة.
كما قالت هيئة البث الرسمية “كان” إن الجيش الإسرائيلي حاول اغتياله في غارة على غزة.
رمزية تتجاوز الشخص
وعلى مدار نحو عقدين، تحول أبو عبيدة إلى رمز إعلامي للمقاومة الفلسطينية، و”صوت القسام” في معركة الرواية مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث ارتبط اسمه بالتهديدات والوعود بالرد، وباللحظات المفصلية في مسار الصراع.
وبدعم أمريكي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 71 ألف شهيد فلسطيني ونحو 171 ألف جريح، إلى جانب دمار هائل طال معظم البنية التحتية المدنية، في تجاهل كامل للنداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية.








