صدى الشعب – أوضح استاذ القانون الدستوري و الخبير ، ليث كمال نصراوين الفرق بين مجلس النواب العشرين و التاسع عشر من حيث جماعية القرار النيابي تبعاً للأحزاب التي ينضوي تحتها أعضاء المجلس و فرديته في التاسع عشر قبل تطبيق قانون الأحزاب في الانتخابات، و ختم في مقال حول رقابة النائب الحزبي على الحكومة بنصيحة للأحزاب تكرس الممارسات البرلمانية، وتالياً نص المقال:
استهل مجلس النواب العشرين دوره الرقابي بشكل لافت وغير مسبوق، حيث أعلن عدد من أعضائه المنتخبين تحويل خمسة أسئلة نيابية قاموا بتوجيهها للوزراء إلى استجوابات، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي.
وبهذا يكون المجلس الجديد قد بدأ مشوار عمله الرقابي بشكل يختلف عن المجلس السابق، الذي لم يولي الوظيفة الرقابية جُل اهتمامه، وكان تركيزه الأكبر منصبا على الدور التشريعي وإصدار القوانين.
في المقابل، وعلى الرغم من أهمية تفعيل الرقابة البرلمانية على الحكومة ممثلة برئيسها والوزراء فيها، فإن هذا الصدام النيابي الحكومي المبكّر الذي جاء في الفترات الزمنية الأولى من عُمر السلطتين التشريعية والتنفيذية يثير العديد من التساؤلات القانونية والسياسية حول جدواه، وما إذا كان يصب فعليا في مصلحة مجلس النواب الجديد ويتوافق مع سياسة تحديث المنظومة السياسية كما جرى الاتفاق عليها.
إن مجلس النواب العشرين يختلف تماما عن المجالس النيابية السابقة من حيث أنه قد أفرز نوابا حزبيين ترشحوا للانتخابات الأخيرة باعتبارهم ممثلين عن أحزاب سياسية، وفازوا بالمقاعد النيابية المقررة للأحزاب ضمن القائمة العامة الوطنية. وهذا الاختلاف الجوهري في المركز الدستوري لنواب الأحزاب السياسية مقارنة بباقي الأعضاء الذين ترشحوا عن القوائم المحلية على مستوى المحافظات يفرض عليهم التزامات سياسية وحزبية معينة ترتبط ارتباطا وثيقا بالغاية المرجو تحقيقها من تخصيص مقاعد نيابية للأحزاب السياسية.
فهم مدعوون إلى تكريس العمل الجماعي على حساب الجهد الفردي، الذي كان هو السمة الأبرز في المجالس النيابية السابقة، والتي أدت بالنتيجة إلى فقدان الثقة الشعبية بالمؤسسة البرلمانية.
وبالعودة إلى ممارسة بعض النواب الحاليين لحقهم الدستوري في تحويل أسئلتهم النيابية إلى استجوابات، نجد بأن البعض منهم هم من النواب الذين فازوا كمرشحين عن الأحزاب السياسية، والآخرون هم أعضاء في كتل حزبية قائمة ولها تمثيل نيابي في المجلس الحالي.
بالتالي، فإنه يقع لزاما عليهم أن يقوموا بالتشاور مع باقي أعضاء الحزب السياسي أو الكتلة النيابية حول ما يقدمون عليه من أعمال برلمانية، وذلك من أجل ضمان موقف جماعي مشترك مع باقي نواب الحزب أو الكتلة.
وعليه، يبقى التساؤل الأبرز حول ما إذا كان تصرف بعض النواب الحزبيين بتحويل أسئلتهم النيابية إلى استجوابات يمثل قرارا جماعيا جرى الاتفاق عليه مع باقي أعضاء الحزب السياسي أو الكتلة البرلمانية، أم أنه مجرد موقف فردي ينبع من عدم اقتناع النائب السائل بالرد المقدم من الوزير على سؤاله الخطي الذي سبق وأن وجهه له.
إن التركيبة الخاصة بمجلس النواب القائم ووجود نواب حزبيين يدينون لأحزابهم السياسية وصولهم إلى البرلمان يفرض عليهم التزاما أدبيا وحتى قانونيا بأن يعملوا تحت راية الحزب السياسي أو حتى الكتلة النيابية المرتبطة بذلك الحزب، وأن يقوموا بتنسيق الجهود مع باقي النواب الحزبيين والكتلويين قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بمهام عملهم داخل المجلس النيابي.
إن معظم نواب المجلس الحالي وبالأخص الحزبيين منهم، قد فشلوا في مباشرة الدور الجماعي المأمول منهم على مستوى الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها أو حتى الكتل النيابية، وذلك في أولى مظاهر علاقتهم بالحكومة.
وهنا نتحدث عن التصويت على البيان الوزاري لحكومة الدكتور جعفر حسان، حيث عجزت معظم الأحزاب السياسية والكتل النيابية الممثلة في المجلس القائم في تفعيل التنسيق الحزبي والكتلوي المشترك، والذي كان يُفترض به أن يظهر جليا في مناقشات البيان الوزاري ابتداءً ومن ثم التصويت عليه، فقد اختلفت مواقف معظم نواب القائمة العامة الحزبية والكتل النيابية من مضمون خطة الحكومة وبرنامج عملها، ومن ثم في منح الثقة على هذا البيان من عدمه.
إن تكرار الممارسات القائمة على أساس التفرد في اتخاذ القرارات النيابية من قبل بعض نواب الأحزاب السياسية أو الأعضاء في الكتل البرلمانية من شأنه أن يعيد إلى الأذهان تجارب المجالس السابقة وفردية العمل فيها.
كما أنه يتعارض وبشدة مع منهج التحديث السياسي الذي وضعته الدولة الأردنية وشاركت فيه بعض الأحزاب السياسية الممثلة في المجلس الحالي، أو على الأقل الشخصيات التي ترشحت بعد ذلك عن أحزاب سياسية جديدة جرى إنشاؤها في ضوء إقرار تشريعات الاصلاح السياسي.
وعليه، فإن الأحزاب السياسية مدعوة اليوم إلى تكريس ممارسات برلمانية تختلف عما كان عليه الحال في المجالس النيابية السابقة، تقوم على أساس تكاثف الجهود بين نواب الأحزاب السياسية وأعضاء الكتل النيابية بحيث تكون السمة الجماعية هي الأبرز في المجالين التشريعي والرقابي، فلا يُسمح لأي عضو أن يغرّد خارج السرب الحزبي أو الكتلوي.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة