صدى الشعب – كتبت د.ميسون تليلان
بعد الانطلاقة التشريعية القوية للحياة الحزبية الأردنية الجديدة الداعمة للعمل الحزبي بقوة ليس لها مثيل في تاريخ السياسة الأردنية بدأت الملامح الرئيسية للمشهد الحزبي الجديد بالتشكل بظهور ثلاثة أنماط -على الأقل- من العمل الحزبي.
الأول هو العمل الحزبي المحترف الذي تمارسه الأحزاب الموجودة أصلا وما تفرع عنها والمنخرطة به منذ عقود، والتي راكمت خبرات كبيرة جعلتها تدرك أهمية العمل الجماعي والديمقراطي داخل الحزب نفسه أولاً كمتطلب أساسي للبقاء وفرض حضور قوي على المستويين الشعبي والسياسي، وسرعان ما قامت هذه الأحزاب في ظل البيئة التشريعية الجديدة بتوظيف خبراتها الحزبية المتراكمة لتحقيق مكاسب شعبية وسياسية في إطار التنافس الحزبي المشروع.
أما النمط الثاني فهو العمل الحزبي الشكلي الذي تمثل بقيام طبقة من أصحاب المناصب القدامى والجدد ورجال الأعمال الباحثين عن مقاعد على الساحة السياسية بإعادة طرح أنفسهم داخل اطار حزبي لضمان استمرارية وجودهم على الساحة السياسية وكون هذا النوع من الأحزاب حديث النشأة ولم يمارس أعضاؤه سابقا في غالبيتهم عملاً حزبياً حقيقياً داخل كتلة سياسية واحدة تعتمد العمل الجماعي المنظم اضطروا للاعتماد على الخبرات الفردية والنفوذ الشخصي للأعضاء، وكون العمل الحزبي يعتمد في جوهره على العمل الجماعي والديمقراطي داخل الحزب نفسه أولاً لم يُحقق هذا النوع نتائج واضحة وأثراً ملموساً على الساحة الشعبية على الأقل.
النمط الثالث هو العمل الحزبي المتواضع الذي تمارسه مجموعة من الأحزاب (الموجودة أصلاً ولم يكن لها حضور قوي، أو الجديدة التي تأسست حديثاً بإمكانيات وحضور متواضع، أو القديمة الحديثة التي أعيد دمجها وتشكيلها تمهيداً لانطلاقة جديدة) والتي تعتبر في طور التأسيس والانطلاق وأعتقد أن الأمل الحقيقي معقود على هذه الأحزاب بالتحديد إذ أن الفرصة أمامها كبيرة لبروز أحدها على الأقل حزباً وطنياً معتدلاً سيمثل أيقونة العمل الحزبي الوطني الحقيقي المعتدل البعيد عن الأنماط الأيديولوجية والشكلية التي لا توافق توجهات الغالبية الشعبية المُعتدلة.
المهم أن ندرك أن الحياة الحزبية الأردنية على مفترق طرق كونها في طور التشكل ضمن بيئة تشريعية داعمة وبنفس الوقت بيئة إقليمية جيوسياسية محفوفة بالمخاطر تتطلب منا أن نكون على قدر كبير من المسؤولية والوعي والعمل الجماعي المنتج لمصلحة الوطن بعيداً عن المصالح الفردية ومصالح الجماعات، وعلى كل حزب يسعى للبقاء والاستمرار والحضور على المستويين الشعبي والسياسي أن يؤسس لبيئة تشريعية حزبية داخلية تضمن الديمقراطية داخل الحزب والعمل الجماعي ككتلة سياسية واحدة ليكون حزباً وطنياً فاعلاً مشاركاً بالحياة الحزبية الفاعلة والديمقراطية التي تريدها الرؤية الملكية الحكيمة نحو حكومات برلمانية.
إن ممارسة العمل الحزبي الشكلي وغياب البديل هو فرصة كبيرة للأحزاب ذات العمل الحزبي المحترف لمضاعفة قواعدها الشعبية ومكاسبها السياسية ضمن إطار المنافسة المشروعة، لأن المواطن لا يمكن أن يؤمن بحزب لا ينتهج الديمقراطية الداخلية والعمل الجماعي ويبحث دائما عن من يقدم له ولو أبسط مظاهر العمل الجماعي والأثر العملي على الساحة، وسيتغاضى عن الجانب الأيديولوجي في كثير من الحالات مقابل حصوله على بعض الأدلة على عمل جماعي مؤثر، بالتالي ستخسر معظم أحزاب العمل الشكلي ثقلها الشعبي لصالح من تعتبرهم منافسيها على الساحة السياسية، وهنا مفترق الطرق أمام الأحزاب الحديثة إما أن تنتهج عملاً حزبياً حقيقياً وتؤسس له أو أن ترضى بالهوامش الشعبية.
الرؤية الملكية للحياة الحزبية الأردنية طموحة وتعول على الثقافة السياسية المجتمعية التي يجب علينا تعزيزها والمشاركة الفاعلة بإعادة بنائها وصياغتها بما يتلاءم مع المستقبل السياسي الديمقراطي الأردني الذي يريده جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه.