صدى الشعب- كتبت: شيماء العربي
يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي ثورة لا تقف عند حدود التكنولوجيا، بل تمتد إلى تفاصيل حياتنا اليومية، وتؤثر بشكل مباشر في طريقة تواصلنا وفهمنا لأنفسنا وللآخرين، فإذا عدنا بالذاكرة إلى الماضي القريب، نجد أن اللقاءات بين الناس كانت أكثر صدقًا ودفئًا، رغم مشقة التنقل وصعوبة الظروف المعيشية.
أما اليوم، فقد سهّلت التكنولوجيا التواصل إلى حد لم نكن نتخيله، لكنها في الوقت ذاته نزعت عن اللقاءات طابعها الحقيقي، وحوّلتها إلى مجرد تفاعل افتراضي سريع يفتقد في أحيان كثيرة لروح المشاعر الأصيلة.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي حاضرًا في تفاصيل حياتنا الدقيقة من صور الطعام، أنماط اللباس، الرحلات، وحتى لحظات اللقاء مع الأصدقاء والأحبة، جميعها باتت تُعرض أمام العالم بضغطة زر، هذا الانفتاح المبالغ فيه على الخصوصيات جعل العقل العربي –ومعه المجتمعات الشرقية عامة– يعيش صراعًا مع سيل لا يتوقف من الصور والفيديوهات التي تُظهر حياة مترفة وبذخًا غير مألوف، من مشاهد السفر والسيارات الفارهة والعقارات الفخمة، التي كانت في الماضي حكرًا على قلة من الأثرياء، بينما اليوم باتت تُعرض أمام الجميع؛ لتزرع في النفوس مقارنات مرهقة وشعورًا دائمًا بالنقص.
رغم هذه التحديات، لا يمكن إنكار الجانب المضيء لهذه التقنية، فقد فتح الذكاء الاصطناعي أمامنا آفاقًا واسعة للتواصل مع الأهل والأصدقاء المتواجدون في محافظات بعيدة أو خارج الدولة نفسها، وأتاح لنا التعرف على أشخاص جدد من مختلف أنحاء العالم، كما سهّل القيام بالأعمال اليومية، ودعم الأبحاث العلمية، وخلق فرص عمل جديدة عبر الإنترنت لم تكن متاحة من قبل، بل إنه ساعد كثيرين على بناء مصادر دخل رقمية وفتح آفاق مهنية خارج حدود الجغرافيا.
لكن الوجه الآخر لهذا التطور يحمل مخاطر جدية، فالفبركة في الصور والفيديوهات باتت ظاهرة تهدد الأفراد والمجتمعات، وتعرض سمعتهم وخصوصيتهم للخطر، وقد أصبح من الصعب أحيانًا التمييز بين الحقيقة والزيف، ما يجعلنا أكثر عرضة للتلاعب والاستغلال، وفي حال لم نحسن التعامل مع هذه الأدوات، فإن حياتنا –وحياة من حولنا– قد تكون مهددة بأخطار كبيرة.
لا نعلم إلى متى سنستطيع الصمود أمام هذه القوة الهائلة، فكل يوم يمضي يزيد من تعلقنا بها، حتى أصبحنا غير قادرين على تقبّل أي شيء دون الانقياد لها، لقد بتنا أسرى لها باسم “التطور”، لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل ما نعيشه تطور حقيقي يخدمنا، أم أنها استطاعت أن تهزمنا وتغرقنا في عالم افتراضي يسيطر على وعيِنا؟ فالذكاء الاصطناعي يعرف الكثير عنّا، بينما نحن لا نعرف إلا القليل عن آلياته العميقة وكيفية عمله، وهنا تكمن الخطورة.
إن التعامل مع الذكاء الاصطناعي لا بد أن يكون بوعي ومسؤولية، فهو أداة قادرة على تطوير حياتنا وتسهيلها، لكنه في الوقت نفسه قد يتحول إلى قيد ثقيل يُفقدنا خصوصيتنا ويشوّه حقيقتنا، وإذا لم ندرك خطورة الانغماس المفرط فيه، فإن نهاية هذا التعلق قد تكون مؤلمة، وتترتب عليها متاعب لا تُحمد عقباها.
في النهاية، يبقى الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين: أداة تقدّم إذا أحسنا استخدامها، وأداة هدِم إذا استسلمنا لإغراءاتها دون وعي، وبين هذين الوجهين، تتحدد ملامح المستقبل.






