صدى الشعب- كتب: سامي جميل القاضي
بين كشف الضمان الاجتماعي وشهادة وزارة العمل، يضيع المواطن في متاهة من الأوراق التي تثبت نفس المعلومة مرتين، لماذا لا تثق الدولة بسجلاتها الرسمية؟ ولماذا يصبح المتقدم لوظيفة في الاستقطاب الخارجي أسيرًا لطواف بيروقراطي بين مؤسسات الدولة نفسها؟
هل تعلم أنك قد تكون موظفاً وهمياً، نعم، كما قرأت، فبينما تظن نفسك موظفًا حقيقيًا، تكتشف أن المؤسسات الحكومية لا تعترف بك إلا إذا حملت الأوراق المناسبة المزينة بالأختام البيروقراطية، وهذا المشهد يتكرر يوميًا مع العديد من المتقدمين لنظام الاستقطاب الخارجي الذي يشترط تقديم وثيقتين من نفس المصدر لإثبات نفس المعلومة، تحت مسمى موظف حقيقي بشهادة وهمية، وضمن عنوان الضمان يشهد والعمل لا يُصدق، والعكس يعكس.
هنا في مؤسساتنا الحكومية، نمتلك نظامًا عبقريًا فريدًا من نوعه، نظامًا للضمان الاجتماعي يسجل كل تفصيلة من حياتك العملية، من أول راتب تقاضيته إلى آخر قطرة عرقٍ سالت من جبينك، ثم تطلب منك أن تثبت أنك كنت تعمل حقًا.
لكن للأسف، فالضمان الاجتماعي هو الشاهد الذي لا يُصدّق، تخيل معي هذا المشهد، تملك سجلًا حكوميًا رسميًا (كشف البيانات التفصيلي) يوثق مسيرتك العملية بأكملها، معروض على موقع الكتروني رسمي، لكن عندما تذهب إلى مؤسسة حكومية تطلب وظيفة، ينظرون إليك نظرة تشكيك وكأنهم يقولون “وهل نصدق سجلات الضمان الاجتماعي”، أما عن حارسة الأختام المقدسة (وزارة العمل)، تبدأ رحلتك إليها تحمل معك “شهادة الخبرة” التي يجب أن تكون مزينة بطقوس خاصة، توقيع من مديرك، وختم المنشأة التي تعمل بها، وختم الوزارة، وتوقيع مدير مديرية العمل، وأحيانًا نظرة شك من الموظف الذي سيتأكد أن الأختام ليست مزورة، رافعين شعار، “نعم، نحن نعلم أننا نعلم أنك تعمل، لكننا لا نصدق أننا نعلم”.
لماذا هذا كله، سؤالي للبحث حول هذا الموضوع الغير المستفاد منه سوى التعرف على معالمِ الوزارات، والبحث في اروقتها عن بلاطة مختومة، أو كما نقول في العامية “جُهد بلاء”، وعندما توجهت بسؤالي لموظف في هيئة الإدارة العامة المعنية في نظام الاستقطاب الخارجي، والذي طلبت منه عدم ذكر اسمه خشية أن أحتاج إلى تصديق من وزارة الثقافة، فقال: “النظام معمول به، والجميع يتبعه”.
وعندما سألته: “ولماذا لا يكفي كشف الضمان الاجتماعي؟” أجاب: “لأن النظام يشترط شهادة الخبرة المصادقة”، علمت أنه حوار دائري مفرغ من المنطق، يشبه أن تسأل موظفًا “لماذا تطلب مني ورقتين؟” فيجيبك، “لأن الأوراق المطلوبة ورقتان”.
بين ختمٍ وختم.. تضيع الخبرة، في عصر الذكاء الاصطناعي والسجلات الإلكترونية الموحدة، مازلنا نحوم بين المكاتب ونصطف في طوابير لنثبت ما سجلته الدولة عنا بالفعل، فهل نحن بحاجة حقيقية إلى كل هذه الإجراءات، أم أننا نواصل إحياء طقوس بيروقراطية عفا عليها الزمن، وهاهم أبناء الوطن يركضون خلف أوراق لتثبيت وجودهم الوظيفي، بينما السجلات الرسمية تشهد لهم بهذا الوجود.
الحمد لله على نعمة صحيفة “صدى الشعب” ممثلة بمديرها العام الأستاذ محمود فطافطة، فلحسن الحظ لم نواجه مشاكل في الحصول على شهادة الخبرة من عملي، وإلا اضطررنا للحديث عن معاناة أخرى يعيشها مواطنون آخرون مع أرباب عملهم، علمًا أن هذه ليست قصة خيالية، بل هي واقع يعيشه مئات المتقدمين لنظام الاستقطاب الخارجي، حيث تتحول العملية من منافسة على الكفاءات إلى سباقٍ محموم لجمع الأختام والتصديقات، انهي مقالي لأنه “أمامي منافسة مع ٥٠٠ متقدم للامتحان على شاغرين”، على كلا هذا المقال كُتب بدافع الخبرة الشخصية مع نظام الاستقطاب الخارجي، ولا يحتاج إلى تصديق من وزارة الثقافة على الأقل حتى يقرؤه مسؤول!
