صدى الشعب – كتبت د.ميسون تليلان
في مدينة قازان الروسية على ضفاف نهر الفولغا انعقدت قمة بريكس قبل بضعة أيام من 22 – 24 أكتوبر بمشاركة 35 دولة و 6 منظمات دولية أهمها منظمة الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام أنطونيو غوتيرش، وأقول قمة بريكس لأن هذا الحضور الدولي الواسع وحضور الأمين العام للأمم المتحدة يمثل اعترافا بأن بريكس ليس نادياً لأصحاب الهوايات المتشابهة ولا منصة اقتصادية بل هو منظمة عالمية في طور التوسع السريع والتشكل..
والواضح من البيان الختامي لبريكس أو ما سمي بإعلان قازان أن بريكس منظمة دولية سينطوي تحتها مؤسسات دولية وأذرع سياسية واقتصادية وثقافية ولا أستبعد أن يكون لها أذرع تشريعية وعسكرية على الأمد البعيد.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد خلال كلمته أن بريكس أصبح حدثا لا يمكن تجاهله على أجندة العالم السياسية وأن الفضل بالتوسع السريع لبريكس يعود إلى أن الدول فهمت أن بريكس تقوم على الاحترام المتبادل بين الأعضاء وأن الأهم من هذا كله على حد تعبيره هو أن «بريكس تأخذ بالاعتبار مصالح الأعضاء جميعا»، وهذا ما تحدثنا عنه سابقا من أن تجاهل مصالح الدول الصغيرة والنامية من قبل القوى العظمى في المؤسسات الدولية والكيل بمكيالين وسياسة العقوبات الاقتصادية المُسيّسة–إن صح التعبير–سيدفع كثيرا من دول العالم للبحث عن بديل للمنظمات العالمية القائمة تجد فيها من يسمعها ويحترم آراءها ومصالحها وخوفا من الوقوع في دائرة العقوبات الاقتصادية المسيسة، وهذا بالضبط ما يحدث الآن حيث أبدت الكثير من الدول رغبتها بالانضمام إلى بريكس ولم يعلن للآن عن عدد الدول التي ستنضم بالتحديد لكن التسريبات تشير إلى انضمام ما يقارب 12 دولة جديدة لبريكس انضماما كاملا، ناهيك عن استحداث بريكس لشكل جديد من أشكال العضوية تحت مسمى دولة–شريكة، حيث أن هذه الدول تستطيع المشاركة بفاعلية في بريكس لكنها لا تشترك بعضوية كاملة فيه فيما أشبه بمرحلة ما قبل العضوية الكاملة أو شيء من هذا القبيل.
بنك بريكس أو ما يعرف ببنك التنمية الجديد (NDB) برأس مال 100 مليار دولار سيشهد بعد قازان تطورا وانتشارا سريعا نظرا لتوسع بريكس بانضمام أعضاء جدد بوتيرة عالية من جهة، ومن جهة أخرى إذا ما تمت ترجمة مخرجات إعلان قازان على الأرض والمتمثلة بإنشاء منصة للاستثمار قادرة على تمويل مشاريع إنمائية ضخمة، ومركز تحكيم استثماري للتحكيم في قضايا خلافات الاستثمار الدولية، ومركز استشارات دولي لمعاملات منظمة التجارة العالمية، وبورصة للبذور خاصة ببريكس، ومنصة بريكس للمعادن الثمينة والألماس، ومركز الدراسات المناخية، واتفاقية أسواق الفحم، ومنصة بريكس الدولية لضمان المنافسة العادلة، وغيرها من العناوين الكبيرة التي إن تم تطبيقها على أرض الواقع ستشكل المؤسسات الأساسية للنظام العالمي المتعدد الأقطاب.
الواضح أن بريكس تنمو وتتطور بسرعة حتى وإن أغلقت بعض الدول أعينها عن ولادة العملاق فهذا لا يعني أن العملاق لم يولد، وبالتأكيد لا نتحدث حاليا عن منافسة متساوية ندا لند مع المؤسسات الدولية القائمة لأن على بريكس قطع طريق طويل وصعب قبل ذلك، لكن الواضح أن بريكس يخطو بخطوات واثقة نحو نظام عالمي متعدد القطبية، واستمرار الخلافات الدولية وشعور الدول بالظلم جراء القرارات الأممية سيكون المحفز الرئيسي لبريكس إذا ما استمر الأمر على ما هو عليه.
وأخيرا أود الإشارة إلى المشاركة العربية القوية في بريكس، مصر والإمارات العربية المتحدة كأعضاء في بريكس، والمملكة العربية السعودية التي حضرت كدولة مدعوة للانضمام في بريكس بالإضافة إلى الجزائر كدولة–شريك مؤهلة للانضمام قريبا، وفلسطين التي تقدمت بطلب الانضمام، وتأتي هذه المشاركة العربية القوية بين دول ذات اقتصادات كبيرة تريد أن تعزز من استقلالية قرارها وحرية اقتصاداتها ودول تبحثُ في بريكس عن العدل الذي لم تلمسه في المنظمات العالمية القائمة.