لدى كل الجماعات والشعوب يشكل الدين واللغة ومجموعة الاجابات التي تقدمها الجماعة لنفسها عن أسئلة من نحن؟ ومن أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا؟ والى أين نحن ذاهبون؟ ولماذا ننجح او نفشل؟
لهذه الاسئلة المرتبطة بالوجود والحياة والموت والغاية يوجد مخزون هائل من الاجابات والتنظيمات والمعتقدات والروابط.. وحولها يتشكل تراث يتراكم ويحوي خبرة مئات الاجيال التي سبقت وخلاصة رحلتها وهي تتفاعل مع المحيط البيئي وتستجيب للتحديات التي واجهتها مع الأرض والمناخ والكائنات الأخرى كما تشتمل على الابتكارات والابداعات والأدوات التي اوجدتها للمساعدة على تطويع البيئة والتمكين للانسان من الهيمنة عليها.
بهذا الفهم يمكن النظر للتراث على انه الموروث المشترك للجماعة والمضاف الثقافي الاجتماعي الانساني المكون لذواتنا .وتلعب عمليات التنشئة والتربية والتثقيف الادوار الأهم في حماية وتنظيم وترميز المحتوى التراثي ونقله الى الافراد عبر مراحل العمر و بالتدريج من اجل اكسابهم اللغة والدين والعادات والقيم وطرق التفكير والعيش والشعور والتعبير التي تقربهم من بقية اعضاء الجماعة وتمنحهم هوية خاصة تميزهم عن غيرهم من الجماعات والامم.
ولا تتوقف عملية بناء ومراكمة التراث عند جيل بعينه فهي عملية حية و مستمرة ترصد وتتفاعل وترمز وتختزل خلاصة تجربة الجماعة في علاقتها مع الأرض والاخر في كافة اوجه النشاط وعبر مراحل الالتقاط والصيد والرعي والزراعة وصولا الى الصناعة وما بعدها.
ويحمل التراث في جنباته كم هائل من المقدسات التي يؤمن بها الاعضاء ولا يسمح بمناقشتها او المس بقدسيتها وهناك عدد من التابوهات او المحرمات بدرجات متفاوتة من القدسية والحماية التي تحول دون مسها او التعرض لها او محاولة التفكير او التعديل عليها يحترمها الجميع و يقبلها الاعضاء على أنها خاصتهم ومكون من مكونات ذواتهم وهويتهم.
بعض مفاصل واوجه انشطة الجماعة واحداثها تحظى باهمية ويتطلب الدخول لها او استقبالها واتمامها مراسم و تعويذات و احتفالات تؤدى بطقوس يديرها ويشرف عليها أفراد اكتسبوا مكانة دينية او سياسية او اجتماعية او روحية خاصة.
الصلاة والتنصيب والولادة والطهور و الخطبة والزواج والموت والتخريج تؤدى بطقوس ومراسم واحتفالات يشرف عليها ممثلين عن السلطة الدينية او السياسية او العلمية .
في ثقافتنا العربية وفروعها الاردنية الكثير من الحكم والأقوال التي تغنيك عن ان تشرح ما يدور في رأسك او تقول ما قد لا يعجب السامع…
الاردنيون منخرطون هذه الايام في تفاعل رمزي يعبرون من خلاله عن حالة إحباط وقرف لا يعلم بها الا الله …فهم يعلقون على ما لا يعجبهم اذا كان العمل غير كاف بالقول : ” كله في الريش ” اي ان الفعل لا قيمة ولا تأثير له وهو كما من أطلق النار على الطير فاصابه في الريش ولم يستطع قتله….
وهناك القول : “تبدلت غزلانها بقرود” عندما يتصدى لعمل او دور مهم أشخاص لا يملكون القدرة ولا التأهيل ولا الكفاءة ” ….
وهناك القول : اللي امه خبازة ما بجوع ” عندما يؤتى بشخص وتحميله مسؤوليات اكبر منه بكثير لا لسبب بل لانه قريب او ان والده تولى مواقع مهمة او لأنه يخدم المتنفذين.
الملفت ان العشرات ان لم يكن المئات من الاقوال الماثورة والحكم المتوارثة التي تختزل بجملة او عدة كلمات ما نريد التعبير عنه. تنتمي الى مراحل الرعي والصيد والزراعة حين كان إنساننا محليا وقبل ارتباطاته بحياة الصناعة والثقافة الاستعمارية واختلاط المصالح وظهور الطبقة التي تفاخر بصلاتها مع المستعمر والمحتل.