صدى الشعب – كتب أسامة أبو طالب
في الأردن، بات تكليف الحكومات الجديدة أشبه بفترة خطوبة تقليدية في مجتمعنا، حيث يظهر الطرفان أجمل ما لديهما أمام الجميع، وينغمسان في استعراضات جذابة وأحاديث رنانة لا تخلو من وعود براقة. بمجرد الإعلان عن حكومة جديدة، تبدأ حقبة من النشاط غير المسبوق، حيث تتدفق التصريحات، وتنتشر الخطط والمشاريع وكأنها زهرة ربيعية تزين المشهد السياسي. لكن، تماماً كفترة الخطوبة، تنتهي هذه المرحلة بمجرد الحصول على “الثقة”، لتتبدد الوعود أمام واقع التنفيذ المليء بالتحديات.
تبدأ الحكومة بالإعلان عن خطط تنموية غير مسبوقة، وتتعهد بإصلاحات اقتصادية واجتماعية تبدو وكأنها المنقذ المنتظر. نسمع عن مشاريع وطنية، وتقنيات حديثة، وأجندات إصلاحية تصلح لأن تكون انموذجاً يحتذى به عالميًا. تُضاف إلى هذه اللوحة التصريحات اليومية التي تؤكد أن الحكومة “ستعمل ليل نهار” من أجل رفاه المواطن. ولكن، هل تساءلنا كم من هذه الوعود يتم تحقيقه؟
عندما يقترب موعد الثقة البرلمانية، تُظهر الحكومة أفضل ما لديها، متغنية بشعارات شعبية تلامس المشاعر العامة. لكنها في الواقع، تراهن على ذاكرة المواطن القصيرة، وتدرك أن تلك الوعود ليست أكثر من زينة مؤقتة هدفها اجتياز الامتحان الأول مع مجلس النواب. وحين تنتهي تلك “الخطوبة” السياسية، تعود الحكومة إلى الواقع الصعب، حيث تذوب شعاراتها في زحام الروتين والتحديات اليومية.
وهنا يكمن السؤال الجوهري: هل يعقل أن تتحول الحكومات إلى خبراء في “إرضاء القلوب” خلال فترة محدودة، لتصبح بعدها عاجزة عن مواجهة تحديات الواقع؟ لماذا نسمع وعوداً ضخمة تتبخر مع الوقت؟ أليس من حقنا أن نطالب بخطوات واقعية بدلًا من شعارات مؤقتة؟
إن الثقة ليست مجرد رقم يتم الحصول عليه من البرلمان، بل هي مسؤولية جسيمة أمام الشعب. حكوماتنا مطالبة بأن تخرج من دائرة الاستعراض إلى العمل الحقيقي، وأن تدرك أن المواطن لم يعد يقبل بعروض الخطوبة الزائفة. نحن بحاجة إلى مسؤولين يرون الثقة تكليفاً وليس مجرد مكسب سياسي مؤقت.
وفي النهاية، لا يمكننا إلا أن نتذكر قول الشاعر:
“وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسامُ”
فهل ستثبت الحكومة أن نفوسها كبيرة بحجم مسؤوليتها؟ أم سنظل ندور في حلقة من “خطوبات سياسية” متكررة دون زواج حقيقي مع الإنجاز؟
خبير اقتصادي وعضو غرفة تجارة العقبة