صدى الشعب – كتب: د.عايش النوايسة خبير ومستشار تربوي
تُمثّل الدراسة الدولية للتعليم والتعلّم (TALIS) إحدى المبادرات الجوهرية التي تتبنّاها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD)، وتُعدّ من أبرز المسوحات والتقييمات الدولية في مجال التعليم. ويكمن هدفها الرئيس في توفير قاعدة بيانات تحليلية معمّقة تُسهم في بلورة وتطوير السياسات التعليمية الرامية إلى الارتقاء بمستوى أداء المعلمين ومديري المدارس.
تُعنى هذه الدراسة بتحليل شامل للأوضاع المهنية، والممارسات التربوية، وظروف عمل المعلمين ومديري المدارس في أكثر من خمسين دولة مشاركة. وتركّز (TALIS) بصورة محورية على تجميع البيانات الداعمة لصياغة سياسات تعليمية فاعلة تُسهم في رفع جودة مهنة التدريس. كما تُتيح للمعلمين منصة للتعبير عن آرائهم حول قضايا التعليم والتعلّم وبيئات العمل، وتُتيح إجراء مقارنات هيكلية بين الأنظمة التعليمية العالمية لتبادل الخبرات وتحسين المخرجات التعليمية. وتُنظَّم هذه الدراسة دوريًا كل خمس سنوات، متناولةً محاور مفصلية تشمل القيادة التربوية، وبيئة الصف الدراسي، والتطوير المهني المستمر، ومناخ العمل المؤسسي داخل المدارس.
تُعدّ المشاركة في دراسة (TALIS) الدولية خطوة استراتيجية بالغة الأهمية نحو تطوير التعليم وضمان جودته، إذ تُشكّل هذه الدراسة مرآة واقعية وموضوعية تعكس واقع مهنة التعليم من منظور المعلمين وقادة المدارس الممارسين. كما تُسلّط الضوء على ممارساتهم اليومية وظروف عملهم واحتياجاتهم التنموية. ومن خلال الانخراط في هذا المسح، تتمكّن الدول من وضع أنظمتها التعليمية في سياق مقارن مع منظومات تعليمية عالمية أخرى، مما يتيح تحديد نقاط القوة والقصور، واستلهام النماذج والتجارب الناجحة القابلة للتطبيق في تطوير السياسات التربوية وبرامج إعداد وتأهيل المعلمين والتدريب المهني المستدام.
وتمنح هذه الدراسة المعلمين وقادة المدارس فرصة حقيقية للمساهمة الفاعلة في تقييم وتحسين العملية التعليمية، عبر تقديم رؤاهم حول البيئة التعليمية. كما تُمكّن المشاركين من الاستفادة من تجارب الدول الأخرى المنخرطة في الدراسة وبرامجها التطويرية لتحسين بيئة التعلّم. إضافةً إلى ذلك، تُستخدم الدراسة لقياس المستوى الراهن للبيئة التعليمية، وتقييم الأثر النوعي للبرامج التطويرية المنفَّذة مقارنة بنتائج الدورة السابقة. وفي سياق أوسع، تهدف الدراسة إلى تزويد صُنّاع القرار في القطاع التعليمي بمؤشرات وتحليلات معمّقة تُستنبط من آراء وخبرات الممارسين الفعليين في الميدان التعليمي.
تُسهم مخرجات دراسة (TALIS) في تمكين صُنّاع السياسات من بناء خطط تطويرية تستند إلى أدلة دقيقة، مما يعزّز جودة التعليم ويحسّن بيئة العمل المدرسية ويرفع كفاءة القيادة التعليمية. كما تُمثّل الدراسة صوتًا أصيلاً للمعلمين، ينقل آراءهم والتحديات التي يواجهونها، ويدعم صياغة سياسات عادلة وواقعية تُلبي متطلباتهم الفعلية. ومن خلال تحليل نتائجها بعمق، يمكن توجيه الجهود نحو تعزيز الرضا المهني، وتحفيز الإبداع التربوي، وتشكيل بيئة تعليمية أكثر دعمًا وتمكينًا، وهو ما ينعكس إيجابًا ومباشرًا على تحصيل الطلبة ونمو النظام التعليمي ككل.






