ماجد توبه
غير مهم التوصيف الدقيق لما جرى ليلة أمس من توغل اسرائيلي بري وقصف همجي مجنون على قطاع غزة، سواء أكان نوعا من الدخول “المتدرج” بالحرب البرية المرتقبة كما قال مسؤولون أميركيون أم أنه جاء بعد تعثر مفاوضات الهدنة وإطلاق سراح الأسرى المدنيين ورغبة العدو بتحسين شروط المفاوضات.. فالمهم والواضح أن حرب الإبادة ماضية ومستمرة وسط تواطؤ أميركي وغربي وعجز عربي وإنساني عن وقفها.
نعم.. هي حرب إبادة متواصلة تطال الشجر والحجر والبشر من كيان مجرم متحلل من كل القيم والاخلاق والقوانين يلقى دعما دوليا مجرما، لكنها أيضا حرب غير مسبوقة على مستوى الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني، وعلى قدرة المقاومة على ردع هذا العدو وجيشه البري، المترنح منذ صدمة 7 اكتوبر، عن الالتحام بابطال المقاومة وعجزهم رغم كل التدمير الجوي عن تحقيق انتصار صغير يعيد ترميم ما سببه لهم زلزال طوفان الأقصى.
باستثناء طغيان الشعور العام بالألم والغضب على ما يحدث للمدنيين في غزة من جرائم ابادة وضرب البنى التحتية الصحية والمدنية والحياتية الاساسية للغزيين والتي تغطي الصورة كاملة عن مشهد الالتحام البطولي والحرب المندلعة، فإن التدقيق بهذه الصورة بشموليتها يضع المحلل أمام مشهد وتطورات غير محبطة بل ومثيرة للامل بترسيخ هزيمة هذا العدو، الذي لم تنفعه كل قوته واسطورته المبنية على مدى عقود عن الارتماء عند اقدام اميركا لحمايته وايقافه على رجليه وسط عجزه وتردده المستمر!
يؤكد هذه الحقيقة ماجرى امس من تقدم بري لقطعات العدو ودباباته وسط غطاء جوي كثيف غير مسبوق، حيث تفيد الانباء المتناثرة بتكبد العدو لخسائر بشرية وازنة وعجزه عن تحقيق اهداف حقيقية في الاشتباك مع المقاومة التي خرجت اليه من انفاق الصمود. ورغم وضع هدف تدمير الانفاق الواسعة والمتشعبة تحت غزة على راس اهداف الحملة الاسرائيلية فان المحللين العسكريين، بمن فيهم اسرائيليون، يقللون من قدرة العدو على تدمير الانفاق بما يعني ان رجال المقاومة سيبقون بكامل قدراتهم بانتظار اي تقدم او اجتياح بري يخشاه العدو.. وايضا الحليف الاميركي.
ولم يعد خافيا الخلاف الاميركي الاسرائيلي على المدى الذي يمكن ان تتدحرج فيه تطورات الحرب، ناهيك طبعا عن الخلاف الاسرائيلي الداخلي، فامريكا التي حشدت وتحشد اساطيلها وقواتها بالمنطقة وكانها ذاهبة لحرب اقليمية تخشى من الانجرار لمثل هذه الحرب ولا ترى فيها مصلحة اسرائيلية ولا اميركية، فيما يبدو نتنياهو، الذي خسر مستقبله السياسي وعلى الاغلب سينتهي به الامر الى السجن، لن يتردد بالمقامرة بخلط جميع الاوراق لاطالة امد حياته السياسية ومحاولة الهروب من مصيره المحتوم، بما في ذلك الاقدام على اشعال جبهة الشمال مع حزب الله وبالتالي ايران ومحورها المنتشر بمفاصل مؤثرة بالجبهة الواسعة.
سيناريو الحرب البرية والاجتياح الشامل لغزة تراجع وسقط مع حسابات الواقع وردع المقاومة والشعب الفلسطيني، وكل الحديث اليوم عن استمرار الضربات الجوية وتوغلات برية محدودة ومحاولة السيطرة على اجزاء من حدود غزة، والاهم بالنسبة للعدو هو السعي الحثيث للبحث عن صورة انتصار ولو محدودا يعيد ترميم الثقة بالكيان وجيشه التي اريقت تحت اقدام المقاومين في 7 اكتوبر.
هذا الانغماس الاسرائيلي بجبهة غزة يقابله تدحرج التطورات على الجبهة الشمالية مع حزب الله وايران، وسعي هذا المحور لتوسيع هذه الحرب عند حد معين، وتحديدا ان شعر بان المقاومة في غزة يمكن ان تصاب بمقتل وتخرج من الصراع لا سمح الله. لذلك فان هذه التطورات وانفتاحها على احتمالات الحرب الاقليمية يدعم صمود المقاومة بغزة بوجه العدو المجرم والمرتبك والمثخن بالجراح العميقة!