الحوارات: إسرائيل تستغل الغطاء الأمريكي لمواصلة جرائمها بلا ثمن
العبادي: الضفة الغربية تواجه تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا ضمن مخطط تهجير منظم
صدى الشعب – راكان الخريشا
تشهد الضفة الغربية المحتلة منذ أشهر تصعيدًا غير مسبوق في الاعتداءات الإسرائيلية تتنوع بين عمليات اقتحام واسعة تنفذها قوات الاحتلال، وهجمات يومية ينفذها المستوطنون بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، هذا التصعيد الميداني الذي تسارعت وتيرته بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، وتكريس مشروع استيطاني توسعي يهدد وحدة الجغرافيا الفلسطينية ويقوّض أي أفق لحل الدولتين، ومع غياب محاسبة دولية حقيقية، باتت الضفة الغربية ساحة مفتوحة أمام الاحتلال لتطبيق مخططاته التي تدمج بين عنف الدولة وعنف المستوطنين في مشهد ينذر بانفجار الأوضاع نحو مسارات أكثر خطورة.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي، الدكتور منذر الحوارات، إن هذه سياسة ممنهجة غايتها إحكام السيطرة على كامل الأرض الفلسطينية، في سياق مشروع إسرائيل لتفكيك الجغرافيا الفلسطينية بحيث لا تصبح قادرة على حمل دولة مستقبلية، تنهي فكرة الدولة الفلسطينية، وذلك أيضًا من خلال إشغال الفلسطينيين ميدانيًا على أكثر من جبهة، هذا الأمر يحدّ أو يمنع ولا يترك مجالًا لبناء أو لإعادة بناء مشروع وطني فلسطيني جامع لكل الفلسطينيين، وبالتالي فإن إسرائيل في فعلها هذا تحمل أبعادًا ذات طابع استراتيجي بعيد المدى، وطابع قصير المدى أيضًا.
وأضاف الحوارات هذا الاقتحام رسالة واضحة بأن إسرائيل لا تعترف بسلطة فلسطينية حقيقية، ولا تعترف باتفاقيات سابقة، بل تسعى لإلغاء اتفاق أوسلو، وهي تؤكد أنها قادرة في أي وقت على دخول قلب الضفة متى شاءت، من دون أي احترام لأي تفاهمات، وهذا بحد ذاته يحمل هدفًا سياسيًا بامتياز، غايته إضعاف صورة السلطة أمام الشعب الفلسطيني، وخلاصته أن إسرائيل لا تريد وجود سلطة فلسطينية قوية أو مؤثرة.
وتابع الحوارات إن شجّع الاحتلال على تكثيف جرائمه في الضفة والقدس غياب الموقف الحازم من المجتمع الدولي، ولا أستطيع القول إن هناك صمتًا دوليًا، بل هناك حديث ومواقف وفعاليات دولية، لكنّها جميعها اصطدمت بالقرار الأمريكي الذي شكّل مظلة حقيقية وفعّالة لإسرائيل حماها من أي تحرك دولي جاد، وبذلك تعمل إسرائيل في بيئة حرة تدرك جيدًا أن كلفة كل هذه الانتهاكات معدومة، وأن أقصى ما ستواجهه في ظل الدعم الأمريكي المطلق، بيانات لا تتعدى حدودها.
وأشار الحوارات لا يمكن اعتبار هذه الممارسات مجرد استفزازات، بل هي مشروع متكامل لفرض السيادة الإسرائيلية على هذه المقدسات وتهويدها، وإعادة صياغة الرواية برمّتها خصوصًا من الناحية الدينية لتحقيق هدف استراتيجي لإسرائيل، وهذا المشروع قد يفجّر الصراع في أي لحظة ويأخذه نحو الطابع الديني، ويمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من الأراضي الفلسطينية مستقبلًا، لذلك فإن ما يجري هو مشروع استراتيجي إسرائيلي يتجاوز حدود الاستفزاز.
و أوضح الحوارات، كيف يمكن إعادة الزخم للوحدة الوطنية والمقاومة، فربما هذا القمع يسير في اتجاهين إما أن يؤدي إلى اليأس والإحباط والركون لما تفعله إسرائيل، أو يكون دافعًا لإعادة التفكير بموضوع المقاومة وتوحيد مجالاتها، بحيث تتحول إلى قوة ضاغطة على الاحتلال، لكن في المقابل المشروع الإسرائيلي يهدف برمته إلى إحداث انقسام فلسطيني لا رجعة عنه، وهذا ما يضعف الجميع ويجعلهم غير قادرين على التوحد في مسار وطني واحد لمواجهة الاحتلال، ولأجل ذلك تمارس إسرائيل خطة واضحة المعالم ومقروءة للجميع، لكن لا أحد يملك الإرادة الكافية للتصدي لها.
وأكد الحوارات إن مطلوب من القيادة الفلسطينية والفصائل والشارع في مواجهة هذا العدوان، فهو إعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة، والابتعاد عن الأوهام التي سادت المرحلة الماضية بأن إسرائيل قد تتخلى عن امتيازاتها التي حصلت عليها بالقوة، بالتالي وحدة الميدان الفلسطيني باتت ضرورة قصوى، إضافة إلى أن الضغط السلمي هو أهم ما يملكه الفلسطينيون الآن فكرة العمل العسكري ضد إسرائيل لم تعطِ نتائج حقيقية، بل استثمرتها إسرائيل لصالح أهدافها الاستراتيجية، لذلك لم يتبقَّ أمام الفلسطينيين سوى النضال الحقوقي السلمي.
ومن جهته قال الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور صلاح العبادي، إن الضفة الغربية المحتلة تشهد تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا ومتواصلًا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي يشمل عمليات اقتحام واعتداءات واسعة في مختلف المحافظات في إطار مخططات تهجير منظمة تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، ومع غياب أي مساءلة حقيقية تتزايد هذه الاعتداءات ضمن خطة مدروسة تخدم أجندة الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
وأضاف العبادي عنف المستوطنين آخذ بالازدياد بشكل ملحوظ فيما تعيق القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة الفلسطينيين في المناطق المستهدفة قدرة الأهالي على التنقل والدفاع عن أنفسهم، ومنذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وتابع العبادي منذ احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967، شرعت إسرائيل في بناء عشرات المستوطنات التي يقطنها اليوم أكثر من 700 ألف مستوطن في مخالفة صريحة للقانون الدولي، ومؤخرًا منحت وزارة الدفاع الإسرائيلية الضوء الأخضر لخطط استيطانية مثيرة للجدل تهدف إلى بناء آلاف الوحدات السكنية بين القدس ومستوطنة “معاليه أدوميم”، وهذا المشروع الذي كان مجمدًا لعقود وسط معارضة دولية واسعة، سيؤدي فعليًا إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وقد وصف وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش القرار بأنه “تاريخي” يشكل خطوة مهمة ستمحو عمليًا وهم حل الدولتين وترسخ سيطرة الشعب اليهودي على قلب إسرائيل، في تناقض صارخ مع فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
واوضح العبادي إن العامل الديموغرافي تغيّر بسرعة فعدد المستوطنين ازداد بشكل كبير، وارتبط بظهور جماعات مسلحة منهم تهاجم الفلسطينيين بشكل شبه يومي، وبات الفلسطيني في الضفة منشغلًا بالتصدي لاعتداءات المستوطنين أكثر من مشاركته في التظاهرات التضامنية مع غزة، إذ يرى نفسه في معركة يومية مع جيش الاحتلال والمستوطنين في آن واحد، والهجمات التي ينفذها المستوطنون تسببت بخسائر بشرية ومادية جسيمة، ففي يونيو الماضي سجلت الأمم المتحدة أعلى عدد شهري من الإصابات في صفوف الفلسطينيين منذ أكثر من عقدين، حيث أصيب نحو 100 فلسطيني بجروح في هجمات شنها مستوطنون، وخلال النصف الأول من عام 2025 وحده رصدت الأمم المتحدة 757 هجومًا لمستوطنين أسفر عن خسائر بشرية أو مادية، بزيادة تقارب 13% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024.
وأشار العبادي يسود الشارع الفلسطيني شعور متزايد بالقلق حيال التطورات العسكرية والسياسية الانقسام الداخلي، وغياب القيادة الموحدة، وتراجع الثقة الشعبية، عوامل جعلت الناس أقل استعدادًا للمشاركة في الحراك الجماعي، ورغم أن الاحتجاجات الشعبية لم تختفِ، إلا أنها تأقلمت مع واقع أمني واقتصادي وسياسي معقد، حيث باتت أشكال التضامن مع غزة تتخذ مسارات أقل علنية وأكثر فردية أو رقمية، بعيدًا عن مشهد الشوارع المزدحمة والهتافات الجماهيرية.
ونوه العبادي إن المجتمع الدولي مطالب اليوم باتخاذ إجراءات ملموسة وعقوبات حقيقية لوضع حد لتغول الاحتلال واستفراده العنيف بالشعب الفلسطيني، والتحرك الجاد من أجل حماية الفلسطينيين والحفاظ على ما تبقى من إمكانية لحل الدولتين فسياسة إسرائيل الاستيطانية، وأعمال الضم التي تنفذها، والتشريعات والتدابير التمييزية المصاحبة لها، كلها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وكما أن نقل إسرائيل المستمر للصلاحيات من الجيش إلى الحكومة المدنية فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، يسهّل توسيع المستوطنات ويعزز الإدماج الممنهج للضفة الغربية في دولة الاحتلال، وتشير التقارير إلى أن هناك أكثر من 10,300 وحدة سكنية جديدة قيد البناء داخل المستوطنات القائمة، إضافة إلى إقامة 49 بؤرة استيطانية جديدة، وهو رقم غير مسبوق.
وأكد العبادي إن المستوطنون وجيش الاحتلال شقوا عشرات الطرق غير المصرح بها حول المستوطنات والبؤر الاستيطانية، بهدف ربطها ببعضها البعض وإعاقة حركة الفلسطينيين، تمهيدًا للاستيلاء على مزيد من الأراضي، ومع تلاشي الفاصل بين عنف المستوطنين وعنف الدولة، تفاقم المشهد أكثر، في ظل عسكرة متزايدة لحركة الاستيطان، وقد شمل ذلك تجنيد آلاف المستوطنين في قوات الأمن الإسرائيلية العاملة في الضفة الغربية، في خطوة تعكس اندماج الاستيطان ضمن البنية العسكرية لدولة الاحتلال.
