سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
إبريق الزيت
في واحدة من الجلسات “الجمعات النسائية” والتي كنت إحدى عضواتها، إضافة لثلاث سيدات كن معي في هذه الجلسة .. طال فيها الحديث والكلام حول أمور متعددة ومتنوعة منها: السياسية، والاقتصادية، والترفيهية .. وغيرها .. وكان من بين هذه الأمور حوار حول موضوع تربوي معين اشتد فيه النقاش بين سيدتين من الحضور .. ثم تحول هذا النقاش لاختلاف حاد في الآراء بينهما وتطور إلى أن ارتفع صوت احداهن .. ما أدى لإنتهاء النقاش بتشبث كل منهما برأيها، وأقفل الحوار .. ولكن على امتعاظ نوعًا ما من كليهما نحو الأخرى .. إلا أن الجلسة استمرت .. وعدنا لأحاديثنا في مواضيع متنوعة أخرى .. وبعد فترة اضطرت احدى سيدتي النقاش للمغادرة لارتباطها بأعمال أخرى .. وبعد مغادرتها وقبل استئنافنا للجلسة، وجهت السيدة الثالثة سؤالًا للسيدة الثانية التي خاضت الخلاف مع السيدة المغادرة قائلة: كيف سمحتِ لها بأن ترفع صوتها عليكِ بهذه الطريقة .. لم يكن أسلوبها راقيًا في الحوار معك .. لقد لاحظت أنك انزعجتِ، ولكني لم أرغب في التدخل في الموضوع .. ما جعل سيدة الحوار تتأثر بما سمعت ويتغير لون وجهها .. وكأن دمعة بعيدة لمعت في عينها .. ونبرة ما بين غضب وحزن خيمت على صوتها .. ثم تحولت معالم السيدة إلى صورة أخرى، لم تكن بادية عليها أثناء احتداد الحوار .. وما هي إلا دقائق قليلة حتى غادرت هي الأخرى الجلسة معتذرة أنها تذكرت أمرًا هامًا .. ما أدى لفض الجلسة ومغادرة الجميع .. يبدو أن حديث السيدة الثالثة أثر في سيدة الحوار أكثر من تأثير زميلة الحوار .. وأكثر من الخلاف الذي نشأ بينهما بسبب تضارب في الآراء ..
كنت أراقب بحرص واهتمام ما جرى منذ البداية .. وذكرتني هذه الأحداث بعبارة كنت أسمع معلماتي يقلنها لبعض زميلاتي على مقاعد الدراسة (يلا يا ابريق الزيت، شعليليها يلا ما هي ناقصة) .. وكان ذلك عندما يحصل نزاع أو خصومة بين بعض الطالبات وتتدخل أخريات ليزدن الطين بِلةَ.
لا أذكر أنني كنت أكترث وقتها لما تقوله المعلمات لتلك الطالبات، فلم أكن أدرك عندها النتائج المترتبة على مثل هذا الأمر، والتي تشبه بالفعل صب الزيت على الفتيل أثناء اشتعال النار .. ففي كثير من الأحيان تمر الأحداث والخلافات بسلاسة وسلام .. ما لم يتدخل طرف ثالث في مجرياتها .. فتدخل طرف جديد (سواء بقصد منه، أو بدون قصد) يعني أن ينتبه طرفي الخلاف أو أحدهما إلى تفسير جديد مزعج لمجريات الحوار مع العلم أنه لم يكن مقصودًا .. أو حتى أن يلتف طرفي الخلاف أو أحدهما إلى تفسير لغة جسد الآخر بطريقة لم تكن مقصودة أيضًا، وربما لم تحصل أساسًا ..
لذا فقد دار في خلدي حديث طويل مع نفسي، وقلت لها: أنني قد لا أكون في مزاج يسمح لي أن أوفق بين اثنين .. أو أني لا أستطيع وربما لا أرغب .. فإن لم أفعل فلأكن على الأقل على الحياد وهذا أضعف الإيمان .. أما أن أصب الزيت لأشعل فتيل الفتنة بينهما (وينشب حريق كان من الممكن أن لا يقع) فهذا لعمري ليس من الإيمان في شيء ..
ومرّ بخاطري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا أو ليصمت ..”، ثم قوله: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ..”