صدى الشعب – كتب محمد علي الزعبي
في الوقت الذي تختلط فيه التحليلات بالإشاعات، والتكهنات بالقراءات الموضوعية، يغيب اسم دولة الدكتور جعفر حسان مؤقتًا عن المشهد العام، غيابًا لافتًا في توقيته وحجمه، لكنه غير معزول عن المنطق السياسي والتخطيط الاستراتيجي، الذي اعتاد عليه الرجل منذ دخوله ميدان الحكم والإدارة من أوسع أبوابه.
فهل هي إجازة مستحقة بعد مشوار مضنٍ من إدارة دفة الإصلاح؟ أم هي لحظة صمت مدروسة، ينشغل خلالها بترتيب أوراق الدولة وملفات المرحلة؟ وهل يمكن فهم هذا الغياب كفترة “صفاء ذهن” لاكتشاف مسارات جديدة تُعيد ضبط البوصلة الوطنية في لحظة فارقة من عمر الدولة؟
الذين يعرفون جعفر حسان عن قرب، يدركون أن الرجل لا يغيب عبثًا، ولا يصمت إلا ليكتب بصمات جديدة. فمسيرته حافلة بالمحطات الصعبة والقرارات المفصلية، والاشتباك المباشر مع الملفات الثقيلة، من هيكلة الاقتصاد إلى صياغة مسارات التحديث الإداري، ومن قيادة مراكز القرار إلى ضبط إيقاع الرؤية الوطنية.
جعفر حسان ينتمي إلى مدرسة نادرة في الأداء، توازن بين العقلانية والحزم، بين الفعل الصامت والتأثير العميق. لم يكن في يوم من الأيام من أولئك الذين يطلبون الضوء، بل من أولئك الذين يُنيرون مسارات الدولة من خلف الستار. فالرجل الذي قاد ملفات حساسة في أحلك المراحل، هو نفسه الذي ترك أثره في كل موقعٍ خدم فيه دون ضجيج، واضعًا نصب عينيه فكرة الدولة لا لحظة الكرسي.
وحين يبتعد اليوم عن صخب المكاتب الرسمية وضغط الجداول اليومية، فإنّ غيابه يبدو أقرب إلى غيابٍ مدروس، لا بدافع التراجع، بل بحكم المراجعة، لا انسحابًا بل ربما حضورًا بصيغة أخرى. فكثيرًا ما يختار أصحاب القرار الحقيقيون أن يتأملوا المشهد من علٍ، ليقرأوه بأبعاده الكاملة، بعيدًا عن الضغوط والانفعالات اليومية.
في ظل الظروف التي تعيشها الدولة الأردنية اليوم، من تزايد تعقيدات الملفات الداخلية، وتداعيات الإقليم المتوترة، وفتور الحالة الحزبية، وغياب الأمل في أوساط الشباب، تصبح الحاجة أكثر إلحاحًا إلى صوت العقل، ومخزون الحكمة، ومهندسي الحلول. والمرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد لا تحتمل الأداء العشوائي أو الشعارات المستهلكة، بل تتطلب قادة يملكون حسّ التقييم، وجرأة التصحيح، وبُعد الرؤية، وجعفر حسان ليس غريبًا عن هذه المهام.
ولعل ما يدور الآن في ذهن حسان يتجاوز حدود الذات إلى أسئلة الدولة الكبرى: أين نحن من تحقيق الرؤية؟ أين أصابت فرق العمل، وأين أخفقت؟ هل تتقدم الآلة التنفيذية بحجم طموحات الملك وإرادة الشارع؟ وما مدى واقعية البرامج أمام تعقيدات الواقع؟ ربما يتأمل هذه الأسئلة في خلوته القصيرة، لا بصفته موظفًا رفيعًا، بل مفكرًا استراتيجيًا يقرأ المشهد بروح وطنية خالصة.
وفي كل ذلك، يظل جعفر حسان وفيًا للمؤسسة، متجذرًا في وجدان الدولة لا في مفاصل المناصب، مُخلصًا للفكرة لا للوظيفة. ومن هذا المنطلق، قد تكون فترته الحالية أشبه بمخاض تفكيرٍ جديد، لا لنفسه فقط، بل للمؤسسة التي خدمها، والدولة التي آمن بها، والمستقبل الذي يعمل لأجله.
ففي الخلاصة، لا يُقاس تأثير الرجال بحجم ظهورهم الإعلامي، بل بمدى قدرتهم على إعادة ضبط المسار في لحظات التوهان. ودولة جعفر حسان، وإن بدا غائبًا في الواجهة، إلا أنه حاضر في العمق، كرقمٍ صعب في معادلة الحكم، وكعقلٍ نادر يعيد ترتيب الأولويات لا من أجل عودته فقط، بل من أجل الوطن كله.






