صدى الشعب – شروق طومار
الشمس تتوسط السماء، وتصب لهيبها على رؤوس العاملين في قطاف محصول الأرض المكشوفة تمامًا في إحدى القطع الزراعية في غور الحديثة التابعة للواء الأغوار الجنوبية بمحافظة الكرك.
تتوقف ريم (15 عامًا) عن العمل لثوانٍ، تمسح جبينها المتصبب عرقًا بيد صغيرة يعلق بها الطين. من الخلف تشدّ ذيل قميصها للأسفل، وتتأكد ألّا أحد ينظر إلى جسدها، وتعود «للصف»، والصف هنا ليس صف الدراسة إنّما الخط الذي يقف فيه المزارعون في الحصاد.
في الصف المجاور، يخلع أحمد (13 عامًا) قميصه ويربطه على رأسه ليقيه حرارة الشمس، ويُسرع لإكمال المهمة قبل أن ينتبه «الشاويش» -مراقب العمال- لتوقفه المؤقت. يتعثر فينغرس غصن شائك في طرف كفه، يزيحه بلا اكتراث ويغمس كفّه في العشب متابعًا عمله.
تعمل ريم لتساعد في تأمين دخل للأسرة المكوّنة من سبعة أفراد، بعد أن أصيب والدها بعجز جزئي أقعده عن العمل جرّاء بتر ساقه بسبب مرض السكري. أمّا أحمد فيعمل لمساعدة والده الذي يعمل حارسًا لأحد المراكز العامة ولا يكفي دخله لإعالة الأسرة المكونة من تسعة أفراد.
ريم وأحمد ليسا الطفلين الوحيدين العاملين في هذه الأرض والأراضي المجاورة، فهناك عشرات الأطفال العاملين في الزراعة، وفي ظروف مشابهة، في مخالفة صريحة لقانون العمل الذي يحظر بالمطلق عمل الأطفال دون السادسة عشرة، ويحظر عمل مَن هم دون الثامنة عشرة في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو الضارة بالصحة.

ينطوي العمل في الزراعة على مخاطر بالغة وممتدة الأثر أحيانًا، وتنطبق عليه مبررات اعتبار المهنة من المهن الخطرة. ورغم ذلك فإن نسبة عمالة الأطفال في القطاع الزراعي هي الأعلى بين نسب عمالة الأطفال في القطاعات المختلفة إلا أن الجهات المعنية تغض الطرف عن مشغليهم أو على الأقل لا تمارس الرقابة الكافية عليهم.
يستقطب القطاع الزراعي نحو 32% من الأطفال العاملين عمومًا، وفقا لتقرير للمركز الأردني لحقوق العمل «بيت العمال» صدر منتصف عام 2024. فيما تشير نتائج المسح الوطني لعمالة الأطفال عام 2016 إلى أن 56% من عمالة الأطفال بين سني 5-11 عامًا تتجه إلى القطاع الزراعي تحديدًا، بينما يتجه من هم بين سني 15-17 عامًا إلى مهن أخرى بنسب أعلى.
أمّا السبب الأبرز الذي يدفع العائلات لإخراج أطفالها من المدارس ودفعهم نحو العمل فهو الفقر. ففي الأغوار الجنوبية مثلًا، حيث تقع منطقة غور الحديثة، تصل نسبة الفقر بحسب إحصاءات العام 2010، إلى حوالي 45%.

مخاطر قاتلة
«كل ما أمرّ من جنب البركة بتذكر قصص الأولاد اللي غرقوا وماتوا. بس أنا بنتبه وما بقرّب»، يقول زيد (12 عامًا) وهو يحمل «سحارة» البندورة لوضعها في صندوق سيارة النقل، بينما يسير بمحاذاة بركة ماء زراعية عميقة بلا أسلاك شائكة حولها. هذه البرك يسميها رئيس وحدة العلاقات العامة في مستشفى غور الصافي علي قزاعر برك «الموت»، حيث سُجّلت عدة حالات غرق ووفاة لأطفال سقطوا فيها. كانت آخرها قبل يومين من زيارتنا للمنطقة.
يقول قزاعر إن حالات الغرق في هذه البرك يمكن أن تحدث في أي لحظة، وقد لا تكون ناتجة دائمًا عن سقوط الأطفال فيها سهوًا. ففي بعض الأحيان يقفز الفتية بعد انتهاء العمل في أيام الحر الشديد في تلك البرك للعب والسباحة، ويمكن أن يتسبب ذلك بالغرق والوفاة. في هذه الحالات لا يتم تسجيل حالات الوفاة هذه على اعتبار أنها حصلت خلال العمل في المزارع، وإنما يجري تقييد الغرق سببًا للوفاة.
في الأرض المجاورة تروي صابرين (15 عامًا) تجربةً من نوع أخر لا تقل خطورة، إذ قرصتها أفعى «بس الحمد الله تعالجت وطبت». إحدى العاملات تسمع حوارنا فتقترب لتقول: «والله أختي قرصتها حية وما لحقوها .. ماتت!».
يقول قزاعر إنه من المعتاد أن يصل عمال، وبينهم أطفال، مصابين بلدغات الأفاعي التي تعرضوا لها خلال العمل. وفي هذه الحالات يعطيهم المستشفى مصلًا عامًا، لكن هناك لدغات أفاعٍ لا يجدي معها هذا المصل وبالتالي قد يكون مصير الحالة الوفاة، خصوصًا عندما لا يتمكن المصاب من وصف الأفعى بشكل دقيق.
تنادي أم جاسر على ابنها (13 عامًا) الذي يعمل معها في الأرض «سامع؟ بحكوا عن الأفاعي، فتح عيونك مليح»، ليردّ الابن من بعيد ضاحكًا «تخافيش عليّ أنا بسبع أرواح».

يطلق الطبيب في مستشفى غور الصافي علي قزاعر على البرك الزراعية تسمية برك الموت بسبب غرق الأطفال المتكرر فيها/ تصوير شروق طومار.
انعدام شروط السلامة
على كفّ ريم جرح صغير يسيل منه خط دم خفيف. تقول إنه «من غصن مقطوع بس هاي بسيطة. قبل فترة في بنت جرحت أصبعها بالسكين جرح كبير، مسكينة صارت تسكر الدم بالطين. استحت، بدهاش يقولوا عنها بتعرفش تشتغل، ووين لما روحت المسا أخذوها أهلها قطبولها الجرح».
لا يرتدي العاملون الذين قابلناهم، كبارًا وأطفالًا، كفوفًا أو أحذية خاصة بالعمل، ولم نلحظ أنّ أيًا منهم يضع كمامات. بعض السيدات يضعن لثامًا على وجوههن تقول إحداهن إنه «للسترة وبالمرّة برد عني الغبرة والتراب».
تقول كوثر وهي أم لسبعة أطفال ثلاثة منهم يعملون معها «من وين نجيب كفوف وكمامات، هو إحنا معنا حقهم؟ إذا بدنا نجيب بنجيبهم على حسابنا، وإذا طلبنا من الشاويش وجابلنا بيخصم حقهم من اليومية. واليومية مش متحملة كلها يا دوب ست ليرات وأحيانًا خمس ليرات حسب الموسم».
نتيجة انعدام شروط السلامة، يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابات، من قبيل ضربات الشمس لأنهم أقل احتمالًا للحرارة ولفقدان السوائل وفقًا لقزاعر، وللجروح وتسممها نتيجة عدم امتلاكهم خبرة كافية بحيث يتّقون هذه الجروح.
تصل المستشفى بشكل مستمر حالات اختناق بسبب الأتربة أو لاستنشاق الكيماويات المتواجدة في المبيدات الحشرية يقول قزاعر. كما يتعرض كثير من الأطفال لحالات التسمم الغذائي، حيث إنهم لا يتمكنون من قضاء ساعات طويلة دون تناول طعام فيحضرون معهم أحيانًا أطعمة يضعونها في جيوبهم أو في أقمشة ملفوفة على خصورهم، ومع تعرّضها لأشعة الشمس والحرارة الشديدة تفسد وتصيبهم بالتسمم.

خلال السنوات الفائتة، ارتفعت أعداد الأطفال في سوق العمل، وتشكّل الزراعة المجال الأول لعمالة الأطفال، تحديدًا تحت سنّ 11 عامًا/ تصوير شروق طومار
مشقّة وحرج
«أسوأ شعور لما تجيني الدورة وأنا بشتغل، ما بعرف شو أعمل ولا وين أروح»، تقول نسرين (13 عامًا) بخجل شديد، وتكمل «لا في حمامات ولا بكون معاي إشي استخدمه. غير الوجع والتعب، بستحي وبخاف يبين عليّ وحدا ينتبه».
تقول ورود العنزي المرشدة المجتمعية في منظمة «تمكين» للمساعدة القانونية إن كثيرًا من الفتيات نتيجة صغر سنهن وقلة معرفتهنّ يتفاجأن بموعد الحيض أثناء العمل. فتشعر الواحدة منهنّ بأنها متورطة وغير قادرة على التصرف خصوصًا مع عدم وجود مرافق صحية في المكان، وعدم السماح لهنّ بمغادرته أثناء ساعات العمل. «إحدى الفتيات اتخذت زاوية مخفية وقامت بتمزيق قطعة من قميصها الداخلي لاستخدامه بديلًا للفوط الصحية»، تقول العنزي.
فيما يقول طبيب الأمراض النسائية عمر الصلاحات إن تدني مستوى النظافة وعدم استخدام الأدوات الصحية اللازمة قد يؤدي لحدوث التهابات متكررة في المسالك البولية والتهابات نسائية، في أفضل الحالات تبقى خارجية وتسبب ألمًا وحكةً شديدة وبالتالي يمكن أن تؤذي الفتاة نفسها، ولكن يمكن أن تنتقل هذه الالتهابات إلى الحوض وتتفاقم وتؤدي إلى العقم مستقبلًا.

في ظل عدم وجود مرافق صحية في مكان العمل، وعدم السماح للفتيات بالمغادرة أثناء ساعات العمل، تضيف فترة الحيض صعوبات إضافية على الفتيات العاملات في الزراعة/ تصوير شروق طومار
مسألة أخرى تُقلِق الفتيات تحديدًا، وهي التنقل من العمل وإليه، حيث يُنقَل العاملون والعاملات في الصندوق الخلفي لسيارات «بيك أب»، وقد يصل عدد الموجودين في السيارة أحيانًا لعشرين شخصًا، ما يُضطّرهم للجلوس متلاصقين.
المسألة لا تقتصر على الفتيات فقط، تؤكد العنزي، فالفتيان أيضًا في هذه المرحلة العمرية يكونون في غاية الحساسية، مشيرة إلى أن وضعيات العمل التي تتطلب الانحناء لأوقات كثيرة تُشعِر الفتيان والفتيات على حد سواء بالحرج حيث يقوم «الشاويش» بتوزيع العمال بالصف بشكل عشوائي دون مراعاة لمثل هذه الأمور.
تضيف العنزي قائلة إن أشعة الشمس والأتربة والغبار تتسبب بإصابة بشرة الوجه والأيدي بالأكزيما والحروق والخشونة وظهور البثور وزيادة انتشار حب الشباب، وكل ذلك يتسبب بمشاعر سلبية للفتيات بشكل كبير وللفتيان أيضًا وإن كان بدرجة أقل.
أضرار ممتدة الأثر

«بحس ظهري بده ينكسر، بس شو بدي أعمل بدنا نكمل هاليوم، كله عشان هالخمس ليرات»، يقول عمر/ تصوير شروق طومار
«بحس ظهري بده ينكسر، بس شو بدي أعمل بدنا نكمل هاليوم، كله عشان هالخمس ليرات»، يقول عمر (14 عامًا)، ويكمل مهمته في رصّ حبات البندورة في الكراتين، ومن ثم نقلها إلى صندوق السيارة.
بالكلمات نفسها تقريبًا تصف ريم تعبها من وضعية العمل التي تُلزمها بالانحناء طوال اليوم أثناء «تلقيط» محصول الفاصولياء. تضع يدها على فمها لتخفي ضحكة خجولة «مرّات بقدرش أوقف كويس لما أخلص شغل، بطوّل ليرجع ظهري مستقيم».
تموضع الأطفال بهذا الشكل خلال العمل، وتحديدًا وهم في مرحلة النمو، قد يؤدي إلى أضرار على المدى البعيد، حيث يمكن أن يتسبب بانحناءات وتحدب في العمود الفقري. كما يمكن أن تتسبب الأحمال الثقيلة بكسور في صفيحة النمو في العظام ما قد يؤثر على نمو الطفل أو المراهق بشكل سليم، حسب ما توضح طبيبة الأطفال ريما طومار.
ولبيئة العمل هذه تأثيرات على الجهاز التنفسي، تحديدًا لدى الأطفال بحكم كونهم أكثر حساسية للأتربة والمبيدات الحشرية، بحسب أخصائية الأمراض الصدرية للأطفال الدكتورة منتهى العيدي.
توضّح العيدي أن التعرّض الدائم للغبار يمكن أن يتسبب بالتهابات الجهاز التنفسي ومن أعراضها السعال الدائم واحمرار العيون. أمّا الحالات الأخطر فتتمثّل في الإصابة بالربو، نتيجة التعرض المستمر للمبيدات الحشرية. كما أن الاستنشاق المستمر للمواد الكيميائية يمكن أن يؤديَ إلى تراجع تدريجي في وظائف الرئة ويجعل هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالانسداد المزمن في الشعب الهوائية، وصولًا لاحتمالات حصول تأثيرات سلبية حادة على الجهاز المناعي وزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة.
فقدان التعليم وخسارة المستقبل
تعمل صابرين مع أختها علياء (12 عامًا) في الزراعة أساسًا أيام العطل الأسبوعية، «بس لما يشدّ الشغل بنعطل من المدرسة وبننزل على الأرض، يوم.. يومين بالأسبوع»، تقول صابرين. «وأيام بنطلع قبل الفجر بنشتغل كم ساعة وبنروح عالمدرسة، بس ما بكون فينا حيل، بروّح عالبيت بحط راسي وبنام».
«بحبش الدراسة كثير» تقول علياء. «بس كمان الشغل تعب وشوب وبالشتا بكون برد موت. لو كنت هسة في البيت بكون بدرس أو بلعب. أكثر إشي بحب أتفرج على مسلسل أو أعمل تسريحات لخواتي أو أقعد مع بنات الجيران نحكي».
في أراضي المنطقة، تعمل عائلات بأكملها، وبينما لا زال بعض الأطفال يذهبون للمدرسة، ولكن بشكل غير منتظم، ينقطع الأغلب عن الدراسة بشكل كلّي. «ما بتذكر كثير أشياء من المدرسة. بتذكر الطابور والفرصة» تقول مريم (11 عامًا)، «بعرف أكتب اسمي وحاجات ثانية، وبقرأ شوي».
درست مريم حتى منتصف الصف الثاني ثم خرجت من المدرسة. تقول والدتها: «طلعناهم من المدرسة من وقت كورونا، فش مصاري تقضّي روحتهم عالمدرسة، يوميّتهم بتساعدنا بالمصاريف، إحنا بالبيت سبعة من وين نطعميهم». واليوم تركت مريم وجميع أخوتها الدراسة.
يقول رئيس مركز «بيت العمال» حمادة أبو نجمة إن فقدان الأطفال العاملين للتعليم ينعكس بشكل سلبي حادّ على الواقع والمستقبل الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء الأطفال وأسرهم نتيجة تدني فرصهم في عمل لائق مستقبلًا، ومحدودية قدرتهم على التطور المهني. كما أن زيادة أعداد المتسربين من المدارس ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني ككل نتيجة زيادة أعداد غير المتعلمين الفاقدين للتأهيل والمهارات اللازمة للإنتاج والمنافسة في سوق العمل.
يقول أحمد (13 عامًا) «كان نفسي أصير مهندس زراعي مش عامل، بس خلص تركت الدراسة ونسيتها، صرت عامل ورح أظل عامل».
أثرٌ آخر ينتج عن اضطرار الأطفال لترك الدراسة، تتحدث عنه سيرين الشريف، المديرة التنفيذية لمشروع الحد من أسوأ أشكال عمالة الأطفال في منطقة الأغوار، وهو طغيان الشعور بالحرمان والنقص لدى هؤلاء الأطفال، والشعور بالنقمة، ما قد يدفع البعض منهم نحو سلوك عنيف في البيت وخارجه.

ينعكس فقدان الأطفال العاملين للتعليم بشكل سلبي حادّ على الواقع والمستقبل الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء الأطفال وأسرهم/ تصوير شروق طومار
ضعف في الرقابة
ينصّ نظام عمّال الزراعة على أنه «لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره في الأعمال الزراعية، ولا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشر من عمره في الأعمال الزراعية الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة».
ويحظر قانون العمل تشغيل الحدث (الذي تسمح التشريعات بعمله) أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد، على أن يُعطى فترةً للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد أربع ساعات عمل متصلة. ويُحظر تشغيله بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحًا.
ترى رئيسة مركز «تمكين» ليندا كلش أنه من الواجب تعزيز الرقابة وتطبيق القوانين التي تمنع استغلال الأطفال في الأعمال الخطرة، وتغليظ العقوبات لمخالفيها، وتطوير استراتيجيات شاملة توفر بدائل اقتصادية للأسر التي تعتمد على عمل أطفالها كمصدر للدخل، وتعزز الوعي المجتمعي بمخاطر تشغيل الأطفال، فالمشكلة الأساسية تكمن في صعوبة الظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى الوعي لدى ذوي الطفل ولدى المشغلين.
تشير تقديرات بيت العمال إلى أن عدد الأطفال في سوق العمل بلغ أكثر من 100 ألف طفل، بزيادة حوالي 25 ألفًا، عن آخر إحصاء رسمي، والذي كان في العام 2016. ومن بين هؤلاء، يشير بيت العمال إلى أن حوالي 60 ألفًا يعملون في بيئات عمل خطرة.
يتعرض 48% من الأطفال العاملين لمواد وعوامل ضارّة تؤثر على صحتهم وسلامتهم، كما أن 19% منهم يعانون من سوء المعاملة، وفقًا لدراسة «بيت العمال».
ويعمل 45% من الأطفال ساعات عمل أكثر من الحد القانوني المسموح به للأطفال فوق 16 عامًا والبالغ 36 ساعة أسبوعيًا، ويصل متوسط أجور الأطفال العاملين إلى 171 دينار شهريًا، أي نحو خمسة دنانير يوميًا، وفقا لدراسة المسح الوطني لعمل الأطفال 2016.

انحناء الأطفال لساعات طويلة خلال العمل، تحديدًا وهم في مرحلة النمو، قد يؤدي إلى أضرار على المدى البعيد، حيث يمكن أن يتسبب بانحناءات وتحدب في العمود الفقري/ تصوير شروق طومار
يقول أبو نجمة إن الأردن لديه العديد من التشريعات للحدّ من عمل الأطفال، وإن هذه التشريعات تنسجم مع المعايير الدولية. فمثلًا، هناك الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال والإطار الوطني المحدّث للحد من حالات عمل الأطفال، لكن المشكلة تكمن في تطبيق هذه التشريعات. والدليل على ذلك، بحسبه، يظهر جليًا في عدد المخالفات التي يتم ضبطها سنويًا والتي لا تتجاوز 500 مخالفة أي نصف بالمئة من حجم عمالة الأطفال الفعلية.
تشير بيانات صحفية لوزارة العمل أن عدد الحالات التي تم ضبطها عن طريق قسم التفتيش للحد من عمل الأطفال بلغ 294 حالة خلال عام 2024. وكانت الوزارة قد نفذت خلال العام الفائت 3889 زيارة تفتيشية في مختلف محافظات المملكة وسجلت الوزارة 181 مخالفة و201 إنذار بحق أصحاب عمل وتلقت مديرياتها وأقسام التفتيش فيها 118 شكوى بشأن عمالة الأطفال.
يرى أبو نجمة أن الجهاز الرقابي يعاني من نقص في عدد المفتشين، حيث إن عدد المفتشين القليل أصلًا تناقص في الأعوام الأخيرة، بالإضافة لعدم توفر الإمكانيات لمراقبة مختلف القطاعات، خصوصًا القطاع الزراعي الذي يستقطب النسبة الأعلى من عمالة الأطفال، مؤكدًا ضرورة تكثيف التفتيش وتخصيص مراقبين للقطاع الزراعي وإعطائهم تدريبًا متخصصا يتناسب مع خصوصية بيئة العمل وطبيعة مكانه الموزع على مساحات جغرافية واسعة.
على الطريق
ينهي زيد وعمر نقل سحارات البندورة ورصها في صندوق الـ «بيك أب» دون أن يغفلا ضرورة ترك بعض الفراغات على الجوانب، لتتسع للعاملين الذين سيغادرون الأرض بعد قليل.
يصعد العمال إلى صندوق السيارة، ومن يسعفه حظه يمكنه أن يجد مكانًا للجلوس، أمّا البقية فسيقضون الوقت وقوفًا إلى جوار البندورة. يقفز زيد مسرعًا ويلحقه علي فيجدان مكانًا يقفان فيه متلاصقين، بينما يتسلق عاملان آخران متأخرين، يقف أحدهما على حافة صندوق السيارة والآخر على السلم المؤدي إليه.
تنطلق السيارة نحو الطريق العام، تتدحرج بعض حبات البندورة إلى الأرض مع أولى لحظات حركة السيارة، بينما يتشبث العمال ممسكين بما حولهم من حديد السيارة أينما وجد، وتغيب السيارة ومن فيها في الغبار الذي تخلّفه السيارة.
أسماء الأطفال في التقرير هي أسماء مستعارة، حفاظًا على خصوصيتهم.