الذيب لـ (صدى الشعب) :حالة ترقب الموت زادت الإضطرابات النفسية لدى الأطفال في غزة
صدى الشعب _أسيل جمال الطراونة
تشكل الحروب النفسية أحد أخطر الأسلحة غير المرئية التي تمارس ضد أهل غزة مضاعفة من معاناتهم الإنسانية والاجتماعية حيث يتم استهداف السكان برسائل تهديد مستمرة وحملات تضليل إعلامي تهدف إلى زعزعة استقرارهم النفسي وزرع الخوف واليأس في نفوسهم، وتؤدي هذه الضغوط النفسية إلى تدهور الصحة النفسية، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين الأطفال والنساء الذين يعتبرون الأكثر تأثراً.
ورغم ذلك، فإن أهل غزة يظهرون قدرة ملهمة على الصمود حيث تعتبر شبكات الدعم الاجتماعي والأسري، بالإضافة إلى الإيمان بالقضية الوطنية، من أبرز العوامل التي تساعدهم على مواجهة هذه التحديات النفسية، ومع ذلك يبقى الأمر بحاجة إلى تدخلات نفسية مستدامة من المؤسسات المحلية والدولية للتخفيف من آثار هذه الحروب الخفية على المدى الطويل وقالت الأخصائية النفسية الدكتورة زينب الذيب لـ “صدى الشعب” إن الصراعات والحروب تؤدي إلى كوارث وتعقيدات على مختلف المستويات وتعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من أخطر الحروب التي شهدتها المنطقة والعالم بل وأكثرها دموية ووحشية.
وأضافت مما يفاقم الآثار المترتبة على هذا العدوان تكرار تعرض الفلسطينيين في غزة لأشكال متعددة من الحروب : مما يزيد من معاناتهم، ويضاعف فرص ظهور المشكلات لديهم، ومن أبرز الانعكاسات المترتبة على هذا العدوان، تلك المرتبطة بالسياقات النفسية.
وأشارت إلى أن الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على غزة تزيد فرص ظهور الاضطرابات النفسية المرتبطة بالصدمات والأزمات خاصة لدى الأطفال، ورغم تعرض أفراد المجتمع في غزة للقصف المتواصل. والتهديد المستمر بالموت إلا أن الأطفال أكثر عرضة لتلك الاضطرابات وذلك بسبب نقص مهاراتهم وخبراتهم وانخفاض مستوى استقلاليتهم، وهذا الأمر لا يقلل بطبيعة الحال من ظهور تلك الاضطرابات لدى الراشدين.
وأكدت أن حالة ترقب الموت المستمرة التي عاشها الأشقاء في غزة أثناء الحرب زادت من ظهور اضطرابات القلق لدى الأطفال مشيرة أن تكرار الحرب على غزة، يعزز الفكرالرافض للوجود الإسرائيلي في فلسطين، سواء لدى الفلسطينيين أو حتى لدى أبناء الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى الدول التي تحترم المعايير الحقيقية للعدالة الإنسانية حيث أن الخبرات والصور والمشاهدات التي يراها أبناء الشعوب العربية والإسلامية تخلق بني معرفية مملوءة بالكره والرفض للاحتلال الصهيوني.
وبينت بأن الجيش الصهيوني يعيش حالة واضحة من التخبط والإحباط، وتظهر من خلال ردود الفعل غير المنضبطة وغير العقلانية إذ يتم الاستخدام المبالغ فيه للقوة كرد فعل للعجز عن التعامل مع مصادر القلق لديهم، في محاولة منهم لر جزء من اعتبارهم داخل مجتمعهم، وفي الوقت ذاته، تأكيد حالة السادية الصهيونية.
وأوضحت أن الحروب والاجتياحات المتكررة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة تسهم من وجهة نظر أخرى، في تقوية الصلابة النفسية لديهم، والتي تظهر من خلال سرعة التعالي بعد انتهاء الحروب، والعودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية، لافتةً أنه وبالنظر إلى طريقة تعايش أهل غزة مع هذه الظروف العصيبة فإنه يلاحظ أن تلك الطرق التي تعزز مناعتهم النفسية تنتقل باللاشعور الجمعي فهي ليست قضية فردية، وإنما تسود أطياف المجتمع المختلفة.
وأكدت أن ما يعزز الصلابة النفسية لدى الشعب الفلسطيني في غزة، هو خليط من العوامل الفكرية والعقائدية والخبرات التي تعرضوا لها مما جعلهم أكثر قدرة على تحمل الضغوط التي يصعب على أغلب المجتمعات الأخرى تحملها وحيث تعبر حالة الصمود التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في غزة عن حالة استثنائية يسطر أبعادها شعب غزة بأكمله. وذلك من خلال التعبئة بالفكر الإيجابي المرتبط بالتحرر من الاحتلال .
وأضافت أن الحرمان من الحاجات الأساسية، سواء الفسيولوجية أو النفسية، يولد نموذجا إنسانياً فريداً يجعل من الصعب حتى على أبرع علماء النفس التنبؤ بردود الفعل المرتبطة به فنجد المقاومة الفلسطينية دائماً ما تفاجئ الاحتلال بابتكار طرق ووسائل دفاعية إبداعية غير متوقعة وهذا يتناغم مع محاولات الشعور بالأمن والاستقرار والاستقلال.
وأشارت ، أنه يمكن ملاحظة حالة الإحباط والضعف والهشاشة النفسية لدى الجيش والمجتمع الإسرائيلي: فحتى الأخبار أو الشائعات تقض مضاجعهم، وتسكنهم الملاجئ لفترات طويلة، وفي كثير من الأحيان، تظهر لديهم كثير من الأعراض النفسية المرضية فحتى التعرض السطحي للمواقف الضاغطة يجعلهم أكثر هشاشة نفسية.
وبينت أن القصف المستمر للمراكز والمؤسسات المدنية سواء الخاصة منها أو العامة يدلل على عدم وجود خطوط حمراء أو ضوابط قانونية أو أخلاقية، من خلال قصف المستشفيات واستهداف الطواقم الطبية والصحفيين، وفي الغالب هذا يهدف إلى إيصال رسالة نفسية واضحة ترتبط بنشر الخوف والذعر وزيادة درجة القلق، والدفع نحو كسر الإرادة والتفكير باتخاذ قرارات مستقبلية غير مدروسة من قبل المقاومة.
ولكن ما يحدث مختلف تماماً، فنجده يسهم في خلق حالة من اللاتراجع والاستبسال والمبادرة إلى تقديم التضحيات، والذي بعد نتاجاً لفكر عقائدي متين لدى مختلف فئات أبناء غزة كما يعمل ذلك على هدم الثقة في المرجعيات القانونية المختلفة التي تتحيز صراحة للعدوان الصهيوني، وبناء بديل يستند إلى التشكيك فيها.
وأضافت أن الأعداد الهائلة من الشهداء تدعو للتفكير مليا بالآثار النفسية المترتبة على ذويهم وفي الوقت ذاته العمل على وضع خطط إجرائية عملية للرعاية النفسية للحد من آثار الصدمات عليهم ومساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم الجياشة، والتي إذا لم يتم التعبير عنها بشكل مناسب، ستظهر على الفرد بصور وأشكال أخرى، وتتحول إلى مخاوف ومصادر قلق غير مبررة في المستقبل.
وتتابع، انه وبالرغم من أهمية الآثار الجسدية المرتبطة بالحروب، والتي يصعب حتى مشاهدتها، كما لا يمكن تجاهلها، إلا أن الأمر لا يتوقف عند ذلك : فالبعد الجسدي يخلق أزمات في مجالات أخرى، وخاصة النفسي والمهني، مشيرة أن ذلك يفرض على الفرد الاستعداد للانخراط في مهنة جديدة بسبب عدم قدرته جسديًا على الاستمرار في مهنته السابقة، مما يخلق أزمة متعددة المحاور، بما تتضمنه من أبعاد جسدية ونفسية واجتماعية وأسرية واقتصادية.
و اشارت إلى أن التعرض المتواصل والمكثف للقصف وسماع دوي الانفجارات ورؤية الموت في كافة المناطق المحيطة، يزيد فرص ظهور الأعراض الاكتتابية وذلك كنتيجة لحالة اليأس المتوقعة، وسيطرة الضبابية على التخطيط المستقبلي الفردي، ولكن يبدو أن حالة الصلابة النفسية التي يعيشها أهل غزة تعزز صمودهم، وتزيد قدرتهم على تحمل ضريبة هذا الصمود، بتقديم الشهداء، وفقدان للممتلكات.
وأوضحت أنه يفترض إعادة رسم معالم سيكولوجيا المقاومة من خلال الارتقاء إلى مستوى الصمود والقوة والفعالية النفسية التي يسطرها أهل غزة، لأن رباطة الجأش والقدرة على التحدي والمواجهة الفاعلة والتخطيط العملي، واستغلال عنصر المباغتة والتضحية بالغالي والنفيس واستخدام الحرب النفسية كلها مؤشرات تؤكد أن النصر لأصحاب الأرض المقاومين، فهم بغض النظر عن حجم الخسائر يضربون أروع الأمثلة في التضحية والفداء والصمود.