صدى الشعب – في محافظة المنيا وسط مصر، يوجد مصنع يعلوه فنار تخرج منه أدخنة صناعة عتيقة، وتحيطه أكوام ضخمة من أعواد قصب السكر الشهيرة.
داخل هذا البناء الشهير في صناعة العسل الأسود، لا تهدأ نيران تحت أحواض كبيرة تستوعب أنهارا من أعواد القصب بعد أن عُصرت داخل ماكينات.
عصر تلك الأعواد، بحسب أحد الصنّاع، هو المرحلة الثانية، بعد جمعها في تلال ضخمة بجوار المصنع ونقلها بواسطة جرار زراعي صغير إلى عملية العصر.
في ماكينة العصر، أو “العصَّارة”، يُدخل العمال أعواد القصب، ليخرج من أحد مخرجي الماكينة عصيرا ومن مخرجها الآخر قشاً وشوائب تستخدم كوقود لنيران المصنع.
بعدها، يدخل العصير المرحلة الثالثة، وهي الطبخ (الطهي أو الغليان) بوضعها في أحواض كبيرة.
وتخضع في هذه المرحلة لنيران تصل درجة غليان شديدة، تحت إشراف طهاة يتمتعون بسنوات خبرة طويلة تكشفها حركات ملاعق ضخمة يقلبون بها هذا العصير.
وفوق النيران، يتحول العصير السائل من لون أبيض مائل قليلا للأخضر إلى اللون الأسود، ولذلك يُسمى بالعسل الأسود، وبعد أن يبرد، يخضع العسل لدورة تعبئة لاحقة لتصفيته من أي شوائب.
والمنيا أبرز محافظات مصر في صناعة العسل الأسود، وهي رائدة هذه الصناعة، بحسب إعلام محلي، ومع إقبال المصريين على تناول العسل الأسود في الشتاء، تزدهر صناعته في المنيا ويباع الكيلو غرام الواحد للمستهلك بما بين 10 إلى 12 جنيها (أقل من دولار أمريكي).
وتتركز صناعة العسل الأسود في الوجه القبلي (وسط وجنوب)، وتستمر نحو أربعة أشهر، تبدأ مع حصاد محصول قصب السكر في نوفمبر/ تشرين الثاني وتستمر حتى مارس/ آذار من كل عام، واحتلت مصر المركز الخامس في قائمة الدول المصدرة للعسل الأسود بحصة 5% من حجم تجارته العالمية بقيمة 23 مليون دولار، وذلك حتى عام 2011، وفق أحدث بيانات نقلها إعلام محلي.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلنت غرفة الصناعات الغذائية في مصر، عبر بيان، أنها تعمل على وضع استراتيجية لتطوير صناعة العسل الأسود وسط وجنوبي البلاد.
وتشمل هذه الاستراتيجية حل جميع مشاكل التراخيص وتوفير التمويل المناسب، فضلا عن إعداد تصميم لخطّ إنتاج مبسط يتبع وسائل الإنتاج الحديثة، بما يساعد على توفير عسل الأسود عالي الجودة، بحسب البيان.
وفي مصر توجد، وفق غرفة الصناعات، نحو 300 عصارة تتركز في محافظات الوجه القبلي، لارتباطها بزراعات القصب، وهي 162 عصارة في محافظة قنا و117 في المنيا، إضافة إلى حوالي 50 عصارة تعاني من مشاكل في التشغيل والإنتاج.