“الفضول” والتدخل بكل التفاصيل وتوجيه أسئلة خاصة تلغي الخصوصية، هي سمة كثير من الأشخاص الذين يعيشون بيننا، بالرغم من أن التدخل بشؤون الآخرين ليس من حق أي شخص.
أحيانا قد يصل التدخل والبحث والتعمق في تفاصيل الشخص الآخر الى درجة تثير الاستياء والخوف من الشخص الفضولي، فما الذي يدفع الشخص للاهتمام بتفاصيل شخص آخر لهذه الدرجة.
اختصاصيون اطلقوا على من يتبع هذا السلوك مصطلح “الفضول السلبي”، فهم أشخاص يهتمون بكل التفاصيل لدرجة المراقبة واستقصاء المعلومات بأي طريقة، رغبة منهم لمعرفة أكبر قدر ممكن من الأخبار، ليس هناك سبب ما، إلا أن يكون لديهم علم بكل التفاصيل المهمة وغير المهمة عن الآخر.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي الاجتماعي مفيد سرحان الى أن العلاقات الاجتماعية مهمة في جميع الظروف، وهي حاجة انسانية يصعب الاستغناء عنها وهي مقياس لنجاح الإنسان، والمحافظة على العلاقات، ربما يكون أصعب من إقامتها في المرة الأولى، لأن المحافظة على استمراريتها يتطلب التحمل والتواصل والتضحية أحياناً.
الأصل في هذه العلاقات هو الاحترام المتبادل واحترام خصوصية الآخر والابتعاد عن الإحراج، إلا أن هناك صنفا من الناس يصر على معرفة كل شيء عن الآخرين والاطلاع على خصوصياتهم، والإكثار من الأسئلة الشخصية والتدخل في تفاصيل الحياة الشخصية والأسرية، بل أن بعضهم يراقب التصرفات رغبة منه في جمع أكبر كم من المعلومات عن الآخرين، وفق سرحان.
ويتابع، مثل هؤلاء الأشخاص لديهم “فضول سلبي”، فهم يحرصون على معرفة أمور لا تهمهم ولا تفيدهم. والشخص الفضولي عندما يتحدث مع غيره يوجه له أسئلة كثيرة وكأنه يحقق معه أو يستجوبه مما يسبب الإزعاج للآخر ويشعره بتطفل هذا الشخص، فالسؤال عن أدق الأمور لا يهم الآخرين وهو أمر خاص لا يرغب كثير من الناس في اطلاع الآخرين عليه، كمقدار الراتب أو تفاصيل شراء بيت وأقساطه أو طعام الأسرة وانواعه، أو هل الزوجة حامل أم لا، وغيرها.
ويوضح، وهي أسئلة قد تكون محرجة ويرغب الشخص في عدم اطلاع الآخرين عليها، فلكل إنسان خصوصياته وأسراره التي يجب الاحتفاظ بها لنفسه أو أن تبقى داخل الأسرة.
ويشير سرحان إلى أن الفضول السلبي الزائد عن حاجة الشخص صفة ذميمة وغير محبوبة، وتجعل الآخرين ينفرون منه ولا يحبون مجالسته، وقد يغادرون المجلس في حال وجود شخص متطفل، مبينا أن مثل هذا الفضول خلق سيىء، وينبغي الابتعاد عنه وهو سلوك بعيد عن المروءة والقيم الحميدة.
وبحسب سرحان، فإن الذين يحبون التدخل في خصوصيات الآخرين قد يكونون أقارب من داخل العائلة أو زملاء في العمل أصدقاء، أو غرباء ربما تلتقيهم لأول مرة في مؤسسة خدمية أو حافلة أو صالون الحلاقة أو اثناء الانتظار في العيادة أو المستشفى، وهم لا يترددون في طرح الأسئلة الخاصة بالرغم أنهم لا يعرفونك سابقاً، وليس بينك وبينهم علاقة أو سابق معرفة.
ويرى سرحان أنه من الضروري أن يحدد الشخص المعلومات التي يرغب في معرفتها من قبل الآخرين وهذا حق له وقد يرغب أن يعرف الأقارب معلومات لا يعرفها الأصدقاء مثلاً، فهذا يعود تقديره للشخص نفسه.
ويشير الى أن الأسلوب الأمثل في التعامل مع هؤلاء هو عدم مجاراتهم في الكلام وتجاهل بعض اسئلتهم وتقديم إجابات مختصرة أو غير واضحة وعامة، أو طرح السؤال نفسها على السائل لإحراجه والتلميح لهم بأن هذا تدخل في الخصوصية، وإذا لم تجد هذه الوسائل فلا يتردد الشخص في أن يخاطبهم مباشرة بأن هذا غير لائق وغير مقبول وتدخل في أمر لا يعنيه ويسبب الازعاج. وعدم مجاملة أي شخص.
ومن الفضول السلبي السؤال عن الآخرين وطلب معلومات عنهم من خلال الأقارب أو الأصدقاء وهو أيضاً خلق ذميم.
ويشير سرحان الى أن بعضهم لديه فضول في مراقبة الناس ومعرفة الداخل والخارج وتتبعهم أو التقليب في حاجياتهم وأغراضهم الشخصية إذا كانوا زملاء في العمل، أو طلب معلومات شخصية وتوجيه أسئلة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهي جميعها فضول في غير محله.
ويذهب الى أن خصوصية الإنسان أمر مقدس، وهو المعني الوحيد في أن يقرر مساحة هذه الخصوصية ومن يطلع عليها، وتتبع خصوصيات الآخرين يفقد الشخص احترام الناس ويجعله موضوع شبهه ينفرون منه مما يفقده محبة الناس.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، الى أن الفضول يدفع الشخص لمعرفة كل شيء، وهذه الرغبة تجعلهم يبحثون ويتقصون عن كل شيء، مبينا أن الفضول هو طبيعة موجودة في الانسان، فالأغلب يريد معرفة ما يدور من حوله ويكون على اطلاع كامل.
ويوضح، غير أن الفضول “الثرثرة” هو الفضول المزعج، خصوصا الاشخاص الذين يوجهون أسئلة خاصة في مساحة ليست لهم، وهنا ينبغي التصدي لهم، مبينا أنهم أشخاص مزعجون، والمشكلة تنبع من تنشئتهم.
ووفق مطارنة، فأن كل فضولي لديه هدف من سؤاله، وهناك من تربى بالفطرة على الفضول، ومعرفة كل شيء، لافتا إلى أن أكثر فضول مزعج هم الثرثارون الذين يتدخلون بأدق أدق التفاصيل، ويتعدون على حرية الآخرين، فهم أشخاص ذو تركيبة خاطئة، ولديهم شغف بمعرفة كل شيء عن الآخر.
ويشير مطارنة الى أن هؤلاء الناس لابد التعامل معهم في البداية بشيء من اللطف، وذلك بتجاوز اسئلتهم والرد عليهم بطريقة لطيفة دون إعطاء إجابة، لكن إذا استمر هذا الفضول، لابد من ايقافهم عند حدهم، والتعامل معهم بحزم حتى يستطيع الشخص أن يتخلص من فضوله.