التواصل الميداني جوهر العمل العام

 

يحمل تأكيد جلالة الملك عبدالله الثاني على ضرورة التواصل الميداني الحكومي، خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء قبل أيام، دلالات وحتميات غاية في الأهمية، على الطاقم الوزاري التقاطها وترجمتها ممارسة فعلية، إذا ما أرادت هذه الحكومة أن تنجح فيما فشل فيه كثير ممن سبقها. لكن السؤال يبقى: كيف لهذا التواصل أن ينجح؟
لعل أقوى أدواته يبدأ من المسؤول نفسه، وهو يلتقي المواطنين ويتابع قضاياهم اليومية برحابة صدر وتفهم وحرص على الاستماع وإيجاد الحلول الأنسب، بحيث يترك هذا التواصل أثرا حميدا في قلوب الناس يتناقلونه بينهم بعين الرضا، لا بمشاعر السخط. فقد عانينا فعلا من مسؤولين حكوميين سابقين كان لضعف أو حتى سوء تواصلهم نتائج سلبية، والسبب، ليس نقص الموارد في غالب الأحيان، بل ضيق أفقهم في التعامل مع الناس. ومثل هذا النوع، وللأسف، ساهم بتدهور العلاقة بين الحكومة والمواطن.
كما على المسؤول، في زياراته الميدانية للوقوف على واقع الحياة اليومية للمواطن، أن يعد العدة جيدا للقضايا التي قد تثار من قبل الناس، وألا يذهب إليهم فقط لأن الواجب يحتم عليه ذلك. فإذا قرر أحدهم، مثلا، زيارة منطقة معينة، فعلى فريقه أن يزوده بتقارير مفصلة للهموم التي تؤرق الأهالي هناك وتوصيات لحلها، وبناء عليه يذهب المسؤول وفي جعبته أجوبة واقعية مقنعة لاستفسارات الناس على اختلافها.
ومن أهم أدوات التواصل الميداني عدم إلقاء المسؤول للوعود يمينا وشمالا إلا إذا كان على يقين من قدرته على تحقيق ذلك. فأكثر ما يؤلم الناس، ويفقد المسؤول، وبالتالي الحكومة هيبتها، هو زيف الوعود. فالصدق والصراحة والواقعية هي أساس العلاقة التشاركية الناجحة.
وعلى المسؤول كذلك، إن كانت استفسارات وطلبات الجمهور خارج صلاحياته، أن يضمن التنسيق مع من تقع هذه الأمور ضمن اختصاصه، وأن يتم الرد عليها قولا وفعلا، وألا يكون مصيرها التجاهل من قبل من هو في الأساس موجود في الموقع لخدمة الناس. وهنا تبرز فكرة أن يكون التواصل الميداني لأكثر من مسؤول، بحيث تغطي معظم القطاعات، على أن تحظى بالتنسيق التام مع المؤسسات الحكومية المعنية داخل كل منطقة، ما يضمن تناغم الجهود، لا تبعثرها.
وإن كان المسؤول واثق الخطوات في تواصله الميداني، فعليه دعوة ممثلي وسائل الإعلام لتغطية هذا التواصل بكل موضوعية وحيادية، وألا يكون التلميع والإشادة سيد الموقف. وهذا بحد ذاته يترجم مفهوم إعلام الدولة، القادر على نقل هموم المواطنين وتفاعل المسؤول معها بمهنية، من باب تحقيق الصالح العام.
وما سيسهم في تعزيز مصداقية تواصل الحكومة الميداني أن يتم متابعة مخرجاته، وصولا للإعلان عما يكون من خطط تلبي تطلعات الناس حاضرا ومستقبلا. فالأقوال إن لم تتبعها الأفعال تنسى كأنها لم تكن.
كل هذا يقودنا إلى حتمية إدراك الحكومة وأجهزتها أن التواصل الميداني هو أساس العمل العام، وأن العمل المكتبي مقدمة له لا أكثر، ولهذا جاء الحسم الملكي، خلال زيارة جلالته إلى رئاسة الوزراء، بأن نجاح أي وزير وأي وزارة هو في “التواصل مع الناس والتواجد في الميدان”. والأمل أن تسجل الحكومة الحالية الريادة في تواصلها، لتكن سنة حميدة تثلج صدورنا جميعا. “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.

أخبار أخرى